العراقمقالات

خفايا البحث عن أسلحة العراق المزعومة!

                     بقلم: أحمد صبري*

    يبقى استحضار الوقائع الَّتي مهَّدت لغزوِ العراق واحتلاله ضروريَّة،  مهما طالَ الزَّمن على تفاصيل وقوعها، وأسرار تلك الحقبة، الَّتي ما زالت تكشف عن المزيد من الأوراق المطويَّة، الَّتي مهَّدت لقرارِ احتلالِ العراق وتدميرِه عَبْرَ كُلِّ الأكاذيب والمزاعم في عمليَّة الذَّهاب إلى العراق من دُونِ أن تعثرَ (لجان التَّفتيش الأميركيَّة) على أسلحة الدَّمار الشَّامل.

   وخدعة وتضليل وكذب غزو العراق واحتلاله عام 2003م لم تكُنْ كافيةً لتمريرِ قرار الذَّهاب إلى الحرب، وإنَّما كانت وسيلةً لبلوغِ هذا الهدف الَّذي كان وسيبقى وصمةَ عارٍ تُلاحقُ صنَّاعه إلى حدِّ محاكمتهم وجلبِهم للقضاء جرَّاء الجرائم الَّتي رافقتِ الاحتلال وتداعياته.

وقَبل أن تكشفَ أربع شهادات لشخصيَّات ثلاثة مِنْهم، كان لهَا علاقة بمُجريات التَّحضير لغزوِ العراق، نتوقَّف عِند الرَّابعة وهي فضيحة يكشف تفاصيلها ممثِّل سوريا بالأُمم المُتَّحدة السَّابق الدكتور بشار الجعفري، وهي تكشف عن اجتماعٍ «شِبه سرِّي» عقدَه مجلس الأمن في أواخر عام 2008م، وأنْهَى خلاله عمل لجنةِ التَّفتيش الخاصَّة بأسلحة الدَّمار الشَّامل في العراق (اونيسكوم) ومن دُونِ أن تقدِّمَ تقريرًا عن عملِها، وأن يتمَّ وضعُ وثائق اللَّجنة في صناديق حديديَّة يتمُّ دفنُها لمدَّة (60) عامًا من دُونِ السَّماح لأحدٍ بفتحِها إلَّا الأمين العامُّ للأُمم المُتَّحدة شخصيًّا وبأرقام سريَّة في عمليَّة فتحِها، مشيرًا إلى أنَّ المكان الَّذي تُحفَظ فيه هذه الصَّناديق هو في إحدى البنايات في واشنطن عَلَيْه حرَّاس من الـ»سي آي إيه» والـ»أف بي آي» يحرسون هذه الصَّناديق لمدَّة (60) عامًا بشرطِ ألَّا تفتحَ؛ لكَيْ لا يعرفَ النَّاسُ حجمَ الفضائح الَّتي دفنوها في تلك الصناديق.

وهكذا يحاولون دفْنَ أسرار تلك الحقبة وحجبها عن أنظار الرَّأي العامِّ على الرّغم من أنَّ فِرق التَّفتيش جالت في مُدُن العراق من أقصاه إلى أقصاه، فِرق المفتِّشين والمخابرات الأميركيَّة، الَّتي لم تعثُرْ على تلك الأسلحة المزعومة الَّتي كانت تبحثُ عَنْها وتُوهمُ العالَم أنَّ العراق يمتلكها.

والمُثيرُ للاهتمامِ التوقُّف عِند شهادات مَن روَّج وبرَّر لهَا من المُقرَّبِين لصانعِ القرار الأميركي الَّذين تراجعوا وعبَّروا عن ندَمِهم في دعمِ قرارِ الحرب.. فالأوَّل كان مدير الاستخبارات الأميركيَّة جورج تينت الَّذي كشفَ في كِتابه (في قلبِ العاصفة) أنَّ قرار الحرب كان متَّخذًا من قَبل. فيما كانت الشَّهادة الثَّانية لوزير الخارجيَّة الأميركي الأسبق كولن باول بأنَّ ما عرَضَه من اتِّهامات ومعلومات عن شاحنات كانت تحمل أسلحة محظورة خلال اجتماع مجلس الأمن في فبراير ـ شباط 2003 كان مبالَغًا فيه وغير صحيح، وهو نادمٌ على تلك الرِّواية.

ويُعزِّز مدير وكالة الطَّاقة الذَّريَّة السَّابق محمد البرادعي في كِتابه «سنوات الخداع» أنَّ حمْلة الخداع والكذب ضدَّ العراق بالتَّأكيد بما لا يَقْبَلُ الشَّك أنَّ العراق لم يكُنْ يسعَى لإعادةِ إحياءِ برنامج أسلحته النّوويَّة، وأنَّ قرار الحرب اتُّخذَ من قِبَل بوش الابن وتوني بلير قَبل بدءِ عمليَّات البحثِ والتَّفتيش عن الأسلحة العراقيَّة وقولته المشهورة «شهدنا عدوانَا، حيث لم يكن هناك تهديد محدق من العراق، وتكاسلًا وترددًا حيث ظهر خطر حقيقي في كوريا الشَّماليَّة وجمودًا طال أمدُه في حالة إيران».

والجدير بالذِّكر أنَّني التقيتُ بمدير الطَّاقة الذَّريَّة محمد البرادعي خلال زيارته لبغداد قَبل الاحتلال في إقامته بفندق الرَّشيد عِندما كنتُ مراسلًا لراديو مونتي كارلو في العراق، وكان متحفِّظًا وألْمَحَ إلى أنَّ عمليَّة الغزو باتتْ وشيكةً من دُونِ أن يفصحَ عن مدَيات تقريره الَّذي سيُقدِّمه لمجلسِ الأمن الدّولي، وكرَّر راديو مونتي كارلو عرضَ تفاصيلِ الحوار عدَّة مرَّات في تغطيته لتطوُّرات الأحداث الَّذي حقَّق سبقًا صحفيًّا في حينِه.

الشَّهادات الأربع والأسرار الَّتي كشفَتها وما سبَّبته من تدميرٍ وخسائرَ بالأرواح والبنى الأساسيَّة هي كفيلةٌ لتعويض العراق؛ جرَّاء الخسائر التَّدميريَّة الَّتي رافقت عمليَّة الاحتلال والبحث على تلك الأسلحة المزعومة الَّتي كانت تبحثُ عَنْها وتُوهمُ العالَم بأنَّ العراق يمتلكها أثبتتِ الوقائعُ بطلانَها وخلوَّه من أسلحة الدَّمار الشَّامل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كاتب، وأحد روّاد الصحافة العراقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *