العراق

 حين تصمتُ الأسود زئيراً… تنهضُ الببغاوات على عروش من ورق!..  

     حين تصمتُ الأسود زئيرًا، لا تسكن الغابة، بل تنقلب رأسًا على عقب. تبدأ الببغاوات بالثرثرة، شحوبًا، كأنها وجدت لنفسها فجأة حقّ القيادة، فلا الكفاءة معيار، ولا الحكمة شرط، بل القدرة على التكرار، والولاء لمن فوق، لا للحق، هو بطاقة الدخول إلى المنصة.

      في وزارة التعليم العالي العراقية، أصبحنا نرى هذا المشهد يتكرّر: أسودٌ مقصية، جامعاتٌ بلا قيادة حقيقية، وتعيينات على أساس الهوى، لا على أساس الرؤية. تُستحدث الكليات بلا دراسة، تُمنح الشهادات بلا جدارة، ويُقدَّم الولاء الحزبي على العقل الأكاديمي، حتى صار التدريسي يخشى أن يزأر، لأن الزئير تهمة، والصمت هو النجاة الوحيدة في مستنقع الثرثرة السياسية.

     المناصب أصبحت مكافآت، لا مسؤوليات، ويُمنح الكرسي لمن يطأطئ رأسه أكثر، لا لمن يحمل فكرًا أو مشروعًا. فيغدو الأستاذُ مجرد رقم، والجامعةُ بيتًا طينيًا بأبواب ذهبية لا تؤدي إلى علم، بل إلى صفقات.

      أين ذهب مشروع الدولة؟ أين مكانة الجامعات العراقية التي خرّجت عباقرة، لا ببغاوات؟ الأسود، أعني بهم الأكاديميين الحقيقيين، أصحاب المواقف، أصبحوا غرباء في وطنٍ أُعطي مفاتيحه للناهبين والتابعين. الوزارة التي كانت يجب أن ترفعهم، هي ذاتها التي تطعنهم في ظهورهم، وتدفعهم إلى صمتٍ مؤلم، لأن الكلام في عهد الببغاوات خيانة.

    والببغاوات؟ هم وجوهٌ تعاقبت على المكاتب، كلهم يشبه الآخر، اللغة ذاتها، الجُمل ذاتها، الخطط المكرّرة ذاتها، لا يملكون إلا التفاخر بالمؤتمرات الشكلية، والترويج لمنشورات لا تُقرأ، ينفرون من الفكر الحر، ويخافون من اللسان الحر، ويخشون من كل أسدٍ قد يفكِّر أن يزأر من جديد.

      لكن للصمت نهاية، وللزئير زمن لا يُؤجل إلى الأبد، ولن تبقى العروش من ورق قائمة حين تهبّ رياح الوعي، فالغابة ستستعيد صوتها، والأقنعة ستسقط، والأسود، إن نهضت، لن تسأل عن الإذن.

     يا معالي الوزير، لسنا ضدك لأنك وزير، بل لأنك رضيت أن تكون شاهدًا على اغتيال المعنى في وزارةٍ كانت مناراتها تضيء للعالم، سكتَّ حين تكلم الجهل، وأطلت النظر في مرايا المديح بينما انكسرت نوافذ الحقيقة.

     نخاطبك، لا لأننا نرجو منك منّة، بل لأنك جالسٌ على كرسي ليس لك، تحمله أكتاف التدريسيين الذين سُلبت حقوقهم، وما زالوا رغم ذلك يصنعون من المستحيل أملًا، ويزرعون العلم في أرضٍ تعاقبت عليها الجراد.

    يا سيادة الوزير، الوزارة ليست غنيمة، والجامعات ليست مزارع حزبية، ولا يليق بالعراق أن يُدار بعقل ببغاء يردد، ولا قلب أسد أُجبر على الصمت.

    ونخاطب من تبقّى من الشجعان في هذا الوسط الجريح، أيها التدريسيّون، أيها العلماء، أيها الصامتون… قد لا تملكون الشاشات، لكنكم تملكون الضمير، وقد لا تملكون القصور، لكنكم أصحاب الجذور.

سيأتي يوم، تعود فيه الأسود تزأر، وتسقط فيه أقنعة الببغاوات، وتُفتح فيه أبواب الوزارة للعلماء، لا للطامعين.

مقالات ذات صلة