حدث مؤلم جداً..قادني للّقاء وجهاً لوجه مع الحكيم (الطبيب ) رياض الحاج حسين..رحمه الله
كان ذلك صيف عام 1972، حين اقترنتُ بسيدة من عائلة علوية نجفية كريمة.. عائلة السادة الشوكي. وعلقتُ على هذا الزواج آمالا كبيرة. وبعدها بحوالي سنة ، كنت أصحبُ زوجتي الحامل الى أحد مستشفيات الولادة في بغداد. وهو المستشفى المقابل لنادي العلوية. كانت ولادتي في ريف سوق الشيوخ. هناك لم نعرف مستشفى الولادة. كانت الفلاحة الحامل تذهب للحقل. وتعود حاملة رضيعاً في عباءتها الصوفية الخشنة. قامت بالوضعلوحدها. وقصت الحبل السُّريّ بمنجمل بينه وبين النظافة عداء.
المؤلم من الاحداث
هنا تراكمت الأحداث المؤلمة . بعد دخولنا المستشفى ، اتضح أن الجنين الذي تحمله العلوية زوجتي ميتٌ. وهذا يستدعي القيام بعملية قيصرية لإخراج الطفل. الولادة الطبيعية تتطلب جنينا نشطاً، يقذف بنفسه خارج الرحم. وكونه ميتا ، افتقدنا
حركته. وجاء قرار طبيبات التوليد. الذي أضاف مأساة لما نحن فيه، حيث قررن أن تتم الولادة الطبيعية. كان قرارا خاطئاً، فالجنين عديم الحركة.!. أمام ذلك بقيت العلوية تصارع الألم. من الصباح الى منتصف الليل. ومع الضياء الاول فارقت الحياة. غادرتُ مستشفى الولادة بجنازتين.. العلوية رحمها الله ، وابنها الذي منحته إدارة المستشفى اسم (عبدالله) بشهادة الوفاة. عصراً كنت في مقبرة وادي السلام في النجف. حيث أودعتُ العلوية وابنها تحت رحمة رب كريم.
**
كانت الصدمة قاسية جداً. لم أفق منها. هجرت بيتي. واقمتُ في مطبعة جريدة الثورة. كان عملي ومنامي في إحدى غرف مطبعة الجريدة. وليلا كان صوت مكائن الطبع ، يحرمني من النوم. في تلك السنة، نهاية 1973، كنت أتردد على إذاعة بغداد. والتقيت الاذاعي أبا يعرب.. جبار يوسف.. وفي أحد الأيام فاجأني الاذاعي جبار بمعلومة مثيرة. ويبدو أن سيدة من عائلته تعمل مع الطبيبات اللواتي قمن بتوليد زوجتي. وانتقلت إلى رحمة الله بين أيديهن. الطبيبات كن قلقات من ردود فعلي. وهو أمر لم افكر به. صحيح أن قرارهن بانتظار الولادة الطبيعية كان خاطئاً. لكن الضرر المأساوي الذي لحق بي لم يكن مقصوداً. ابو يعرب نصحني بان أتوجه لوزارة الصحة وأطرح ما لحقني من ضرر على المسؤولين فيها.
وهكذا كتبتُ رسالة تفصيلية حول ما حدث في مستشفى الولادة. وتوجهت لوزارة الصحة. حيث سلمتُ الرسالة لمكتب السيد وزير الصحة. وكان في حينها الدكتور عزت مصطفى.
**
بعد أقل من شهر ، وأنا أعمل واقيم في مطبعة جريدة الثورة، جاءني اتصال هاتفي من مكتب وزير الصحة. وابلغني أن الدكتور عزت مصطفى بانتظارك في مكتبه.لامر يتعلق برسالتك التي وجهتَها إليه. إلى مكتب وزير الصحة توجهتُ. وكان لقاءً مثيراً. هنا تردد اسم الدكتور رياض الحاج حسين..
بناءً على استدعاء منه ، كنت في مكتب وزير الصحة العراقي ، الدكتور عزت مصطفى. كان ذلك مطلع عام 1974. وبعد كلمات الترحيب منه ، والتي قابلتُها بالشكر ، بادر الوزير بأن واساني ، بالمصيبة التي وقعت في بيتي. تمنى لي الصبر. بعدها انتقل الى ما قام به من إجراءآت تخص ما جاء في رسالتي، فأوضح أنه شكل لجنة من ثلاثة أطباء يعتمد عليهم. وهم:
الدكتور رياض إبراهيم الحاج حسين..رئيساً للجنة، الدكتور خلدون درويش لطفي..عضواً، والدكتور ابراهيم النوري .. عضوا. تشكيل اللجنة هذا ، من الكادر المتقدم الحزبي والوظيفي في وزارة الصحة ، يوضح اهتمام الوزير بمعالجة ما تعرضتُ له ، لاسباب إنسانية وإعلامية وتنظيمية.
لقاءآت واستجواب
أضاف الدكتور عزت أن اللجنة قامت بما مطلوب منها. فالتقت وسألت إدارة مستشفى الفردوس ، وهو المستشفى الذي وقع فيه الحادث المأساوي ، ويقع مقابل نادي العلوية ، مجاور محطة تعبئة الوقود. واستجوبت طبيبات المستشفى اللواتي لهن علاقة بالحادث. وكتبت ورفعت تقريرها النهائي. والتقرير يبرئ إدارة المستشفى والطبيبات من التقصير. هذه نسخة من التقرير خذها. وعليك التوجه إلى اللجنة. وهي بانتظارك.أضاف الوزير : ناقش اللجنة.. واسأل، وسواء اقتنعتَ ام لم تقتنع.. عد إلي ، في لقاء ثانٍ.
لقاء مع اللجنة الطبية
وفي اللقاء مع الاطباء الثلاثة ، كانت مشاعري متنوعة. لا أتذكر اين تم اللقاء. وماذا كان يشغل الدكتور رياض وظيفياً وحزبياّ. لا اعرف الدكتور رياض عن قرب. واعرف الدكتور النوري قليلا. لكني تعرفتُ على الدكتور خلدون في إدارة مستشفى ابن الهيثم للعيون. فكان مديره في فترة. وتربطني علاقة عمل تنظيمي مع
أخته الآثارية الدكتورة مهاب درويش لطفي. وعن طريقها تعرفت أكثر على الدكتور خلدون. بادر الدكتور رياض إلى الكلام التفصيلي حول مهمة اللجنة وما قامت به. فأكد عدم وجود تقصير بما حدث. خاصة من الطبيبات. استمعتُ كثيراً. وتكلمتُ قليلا. غادرتُ.. مقدرا للسيد الوزير وأعضاء اللجنة إهتمامهم.
في يوم آخر عدت لمقابلة الدكتور عزت مصطفى. بعض الحصيلة من لقائي مع اللجنة، أنني تعرفت عن قرب على الدكتور رياض إبراهيم الحاج حسين. واقدر أن لديه جاذبية مقنعة، (كاريزما). ودود. جاذب وليس طارد. ودعت اللجنة . وبقيت لي اتصالات هاتفية مع الدكتور رياض . وحين أعدم في 10-10-1982 كانت سحابة حزن سوداء تغطي سماء محبيه واصدقائه وعارفيه. له الرحمة والغفران.
ما الذي ذكرني ؟.
في تقريره المثير عبر موقع « برقية »، أطل الدكتور جعفر المظفر ، وهو يسرد الوقائع ذات الصلة بإعدام زميله وصديقه الدكتور رياض ابراهيم الحاج حسين. كانت وقائع مؤلمة راح ضحيتها طبيب من خيرة الأطباء العراقيين. وتربطني بالدكتور المظفر صلات عديدة.. تنظيمية وثقافية .كان يزورنا في جريدة الثورة. وكانت عضويتي في إحدى اللجان الثقافية المتفرعة عن مكتب الثقافة والإعلام القومي ( لجنة الثقافة المركزية )، واحدة من صلاتي مع الدكتور جعفر ، بصفته عضوا في هذا المكتب. والتقينا كثيرا ، بعد قرار فصلنا من التنظيم إلى أن افترقنا.
الدكتور جعفر المظفر، من خلال ما كتبه في هذا الموقع ، كان محرّضي على أن أتحدث عن الشهيد رياض. وهو ما تطلب أن اقلب بعض الصفحات المؤلمة من حياتي، أصافحه ، رغم البعد ، وأشد على يده.