مقالات

جدران حدود الدول .. البشرية منقسمة ومليارات تتبعها مليارات..

        ظاهرة الجدران العازلة بين حدود الدول في عالمنا اليوم ، أصبحت الظاهرة الأكبر في خارطة العالم الجديد بتكاليف تجاوزت مئات مليارات الدولارات ، وما زال البناء مستمراً ، والعزل مغاليق البشرية. وأقدمُ جدران الدول، جدار الصين العظيم الذي يبلغ طوله 21,196 كليومتراً، والذي أنشئ حوالي 221 ق.م، وأحدثها جدار ترامب على حدود المكسيك بطول “3145 كم”.

      قبل عام 1990 كان عدد الجدران العازلة بين الدول لا يتجاوز 16 جداراً ، أشهرها جدار برلين الذي يفصل الالمانيتين قبل سقوطه في عام 1989 ، لتهوي بعده دول المعسكر الشيوعي أو الذي كنّا نسميه الاشتراكي ، ومنذ ذلك اليوم للآن أصبح عدد الجدران العازلة بين الدول أكثر من 65 جداراً عازلاً ، بما يعادل بناء جدار ونصف في كل عام ، ومع ذلك ما زلنا نسمّي العالم ( قرية كبيرة ) .   

      تكاليف تلك الجدران التي كان انشاء بعضها يحتاج لسنوات مثل جدار الصحراء الغربية الذي شيّدته المملكة المغربية خلال سبع سنوات وبتكاليف تفوق اكثر من مليار دولار وبمسافة تتجاوز 2700 كليو متر ، فيما كان الجدار الاسرائيلي العازل مع قطاع غزة والذي زادت كلفته على مليار دولار واستغرق بناؤه عدة سنوات وتم تزويده بأحدث التقنيات العالمية من أبراج مراقبة الى أجهزة ترقب ورصد وتصوير ، كان هذا الجدار وفق خبراء عالميين هو أكثر جدران العالم تطوراً وكفاءة ، ولكنه رغم ذلك انهار بدقائق مع هجوم حماس في السابع من تشرين أول – أكتوبر 2003 ولم يعد عنواناً للعزل والفصل والتطور .

       ومن الجدران الحدودية العازلة ما كان بين المجر والنمسا ، او بين امريكا والمكسيك والذي عاد ترامب مؤخراً للحديث عنه لمنع الهجرة ، فيما كان هذا الجدار مادة إعلامية انتخابية لترامب في فترة ولايته الأولى ، وربما عاد الآن ليكون مادة اعلامية مستعادة في ولايته الثانية وهو يتحدث عن إيقاف الهجرة .

     لكن من اغرب قصص الجدران العازلة بين الشعوب والدول ، تبقى قصة جدار الفصل في قبرص الذي يقسم العاصمة نيقوسيا الى شطرين بين القبارصة الاتراك واليونانيين ، والذي اصبح عنوانا للفصل بين شعب واحد لا بين شعوب .

          اما الاغرب المستغرب في الجدران العازلة ، ذلك الجدار الذي يفصل مخيم عين الحلوة في لبنان عن محيطه والذي يقطنه عشرات الالاف من الفلسطينيين وبدأ انشاؤه في عام 2016 ، وبارتفاع يزيد على ستة أمتار .

كما أن هناك من الجدران ما يثير الانتباه كجدار العزل بين الهند وبنغلادش لمنع الهجرة والذي يبلغ طوله مئات الكيلو مترات والذي مثلت الاسلاك الشائكة فيه خريطة جديدة للعزل تركت اكثر من مائة الف مواطن في منطقة عازلة ، لا هم لذلك الطرف ولا  لذاك ، ومثل ذاك ما بين اسبانيا والمغرب الذي يصعب تجاوزه ، ولمن يفكر في تجاوزه عليه أن يفكر بالموت أولا .

         واذا ما تحدثنا عن الجدران بين الدول العربية ، فإن الألم والخيبة يبقيان العنوان الابرز ، مثال ما بين العراق والسعودية من اسلاك شائكة وحفر وتلال رملية مصطنعة ، ومثلها ما بين العراق والكويت ، واخرى ما بين تونس وليبيا ، وما بين المغرب والجزائر ، والحبل على الجرّار كما يقولون ، والقادم اتعس .

          حتى الان ما زالت دول العالم تفكر بالجدران العازلة ، ولم تجد سبيلاً آخر لحل عقدة الانتقالات بين الدول ، ولم ينفع تطور العلوم والتكنولوجيا في ردع فكرة العزل ، وما زالت مليارات الدولارات تُنفق سنويا لبناء جدران أخرى ، بالكونكريت أو الأسلاك الشائكة أو حفر الخنادق أو إغراق المناطق الحدودية بالمياه ، أو التلال المرتفعة  ، وما زال العالم يفكر في تقسيم البشرية ، رغم أن الاقمار الاصطناعية تراهم جميعا موحدين على الأرض التي انشأها الله لعباده .

مقالات ذات صلة