ثورة الإمام الحسين..و”الشرعية السياسية”..وأهمية إسقاط “السلطة الغالبة”!



لكي لا تبقى قضية الإمام الحسين، أسيرةَ “سلسالِ الدَّم”، كما يُرادُ لـ”الغباء الميثولوجي”، أنْ يُحنّطها في سياق “خطابه التحريضي”، أي في استغلالها “طائفياً”، تحت باب “يا لثاراتِ الحسين”، أو استمرار الاعتقاد، أنَّ سيوف “السلطة المُخالِفة طائفياً” هي التي حزّت رأس الإمام عليه السلام، وجندلت رقابَ بنيه، وصحبه. أقول: لكي لا يظلُّ “الشيعة” أنفسُهم يكرّرون، “ظُلْمهمَ للحسين” لا “مظلوميّتَهُ” كما يزعمون، في كل شهر محرّم، وعاشوراء، وزيارة الأربعين، وأيضاً في المجالس الحسينية التي أضحت تُقام على نطاق العالم، لكي نصل إلى هذا المُبتغى، لا بُدَّ من التذكير المتواثب، بمسائل أساسية.
بدءاً يجب أنْ يرقى خطابنا إلى علوّ شأن “القضية الحسينية”، وفهمها بقدر حقائقها، لا في إطار ما تفرزُهُ “العواطف غير المنضبطة”، ولا أساطيرُ “الميثولوجيا الشعبية” التي أساءت كثيراً لجوهر “الثورة الحسينية”، ومثل هذا الخطاب يتجاوز “الممارسات الموروثة أو المُستحدَثة”، التي هي بتسمية السيد إياد جمال الدين، “فلكلور شعبي”، وليست شعائر دينية، يستلزمها الالتزام العقائدي!.
إنَّ ثورة الإمام الحسين، ليست مجرّد “تضحية عابرة”، أو “مصيراً مأساوياً” لفئة مؤمنة، لكنّها “ألقت بأيديها إلى التهلكة”!.. بهذا يتكرّر ظلمنا للحسين ورهطه الأبرار، بل هي “فعل واعٍ”، قويّ الإرادة، مؤمنٌ بتحدّي “السلطة الغالبة”، أي السلطة التي اكتسبت “شرعيتها السياسية”، بالتمرّد، والتآمر، وبالقوّة الغاشمة، وأيضاً بشدّة الانحراف عن المسار الإسلامي، المحمّدي، وسيرة الخلفاء الراشدين، الذين آمنوا جميعاً ولنحو ثلاثين سنة من الحكم المتواصل، بمفهوم تراتبي لانتقال السلطة، من خليفة الى خليفة، بعد رسول الله “ص”، بصرف النظر عن رأي لهذا، أو لذاك في هذه الجزئية أو تلك، ففي النهاية كانت “الشورى” و”المبايعة” جناحيْ العملية “الانتقائية” لاختيار الخليفة. وليس مثلما صار عليه الأمر لمعاوية أو يزيد، ومن جاء بعدهم بـ”الوراثة”، أي بـ”الملك العضوض” الذي حذّرَ منه الرسول “ص”.

إنّ نشدانَ “الشرعية السياسية” التي ضحّى من أجلها الإمام الحسين، ليسَ محض عِشقِ”ملحمة استشهادية”، إنما هو “نُشدانٌ” معرفيٌّ، واعتقاديٌّ، جريءٌ، وشجاعٌ، وشريفُ المقاصدِ، لأداءِ فعل حضاريٍّ، يهدفُ سِبطُ النبيّ من ورائه إلى إعادة تنشيط “الوجدان الشعبي” للإمة العربية الإسلامية الناشئة، وهو فعل ينطوي على ما يمكن أنْ نسمّيه “تأديبَ الوعي السياسي”، وحشدَ الإراداتِ لإنهاء حالة “الخضوع للغلبة” أو لـ”السلطة الغالبة”. بمعنى أنّ البيعة للخيلفة “لا تُنتزع” إنما “تُمنح”، طبقاً للاستحاق، والرأي، والنظر إلى مصلحة الأمة.
أما مسألة “جَبْرية البيعة”، كما أرادها معاوية، ومن بعده ابنه يزيد، فهي ما اعترف بنقيضها ابنُ يزيد “معاوية الثاني” الذي رفض وجدانياً ودينياً منصب الخلافة، ولم يعترف بشرعيتهِ، لهذا لم يدم حكمه سوى أربعين يوماً، ثم انتهى الأمر الى “تغييبِ الرجل”، أي موته غير المسوّغ!. وفي النطاق نفسه، كان الإمام الحسين، وهو “حفيد المصطفى”، يرفض وجدانياً، ودينياً، أنْ يخضعَ للقوّة الغاشمة، التي صادرت “الضمير الشعبي”، وغلّلت إرداتَه بما يُطلق عليه “حكم القصر”!. وفي هذا السياق، لخّض الحسين صراعه مع يزيد بقوله: “مثلي لا يبايع مثله!”.
لهذا كلِّه، فنحن، أعني جميع المسلمين، والعرب عموماً مسلمين وغير مسلمين، مدعوون إلى ما يسمّيه المفكّرون “إعادة تعريف مفهوم الشرعية السياسية”، لكي يرقى “الوعي الجمعي” إلى فهم أعمق لما سجّلته ثورة الطفِّ الحسينية –بإغفالنا للطقوس الشعبوية- من تحولات فكرية، واجتماعية، لم تستطع الأمة بعدُ تنفّس عِطر صدقها في استنهاض الناس ضد الاستبداد، والظلم، وجبروت السلطان!.
إنّ أية “سلطة غالبة”، غير شرعية، مستبدة، فاسدة، لا ترعى مصالح الناس، ولا تأخذ بأسباب العصر، وتنحطُّ بـ”شأنِ البلد”، يجب أنْ تُستنهض الهمم لإسقاطها، والخلاص من ربقتها، أيّاً كان دينها، أو طائفتها، أو حزبها، فللبلد، أرضاً ومياهاً وسماء، سيادة، يجب أنْ يُحرص عليها، وله أيضاً شعب، يجب أنْ يحكم بعدل، ومن دون تمييز لأيّما شكل من أشكال الاختلاف الديني أو الطائفي، أو القومي أو العرقي، أو العشائري أو المناطقي، أو غير ذلك!.
وربما يكون لحدثنا صلة
