ثمرةُ التقلّبِ في أحضان الزرقاوي و”بوكا”والبغدادي والظواهري..هل تجني سوريا عِنباً من حنظل “الجولاني”؟!
(كل طبخة سياسية في المنطقة، أمريكا تعدّها، وروسيا توقدُ تحتها، وأوروبا تبرّدها، وإسرائيل تأكلها، والعرب يغسلون الصحون).
محمد الماغوط
هل يواصلُ “الإرهابي” السابق، و”الثوري” الانقلابي الحالي “أبو محمد الجولاني” ذو الإثنين والأربعين عاماً، تحوّلاتِه ليكونَ “راعيَ بناءِ دولةِ المؤسسات” في سوريا، تماماً كما ادّعى في أحدِ تصريحاته، وهو بعدُ على مشارفِ دمشق قبل اقتحامها، وتثبيت سقوط حكم عائلة الأسد بعد نحو 50 سنة من حكمِ الاستبداد، والقمع، والخنوع لاحتلالِ إسرائيلَ الجولان، ثمّ التحالف مع طهران، وفتحِ أبوابها للتغلغل الإيراني، ومصرع نحو 500 ألف سوري، وتهجير أو هجرة ما يقرُب من ثلثِ السكّان السوريين، وزجّ مئات الألوف في المعتقلات، وتعريضهم للقتل والتعذيب بأيدي من سمّاهم الشعب السوري “الشِبّيحة”!!!.
و”الجولاني”، الذي ربّاهُ الزرقاوي، واحتضنه البغدادي، وسانده الظواهري، وأعادت الاستخبارات الأميركية صناعته في أثناء سَّجنهِ بمعسكر”بوكا” في غبراءِ البصرة، ثم احتضنه الأتراك، وأعادوا صياغة شخصيته السياسية، ليقود، بدعم أميركي-إسرائيلي وبمالٍ خليجي عملية اقتحام مدنَ سوريا واحدةً بعد الأخرى وصولاً إلى دمشق في عرضٍ “أشبه تماماً بالعرض الداعشي في الموصل والأنبار وصلاح الدين”، لكنْ -هذه المرّة- بسلوك مختلف تماماً، فلا قتلَ، ولا ترهيبَ للناس، بل سارع “الجولاني” إلى تطمين جميع الطوائف، والأديان، والقوميات، وقام أتباعهُ بفتح السجون، وتكرار تطمين جميع فئات الشعب السوري، المسيحيين، والدروز، والأكراد، والشيعة، والأرمن والعلويين أيضاً، برغم اتهامهم من قبل الجولاني نفسه أنهم مسؤولون عن مقتل مليون سوري “سُنّي”!! في مقابلة سابقة كان قد أجراها معه الإعلامي البارز أحمد منصور، ضمن برنامجه “بلا حدود”.
ولابد من القول: كان لانهيار نظام الرئيس بشار الأسد في دمشق، مشتَرَكاتٌ بسقوط نظام الرئيس صدام حسين في بغداد، من حيث المعطيات التالية:
1-لم تقوَ دولة في المنطقة على تقديم أي دعمٍ للنظامين.
2-لم يدافع شعبا البلدين عن النظامين.
3-مباهج الفرح بسقوط النظام تشابهت في شوارع دمشق اليوم، وفي بغداد قبل نحو اثنتين وعشرين سنة.
4-لجأ الأسد إلى روسيا، فيما فضّل صدام اللجوءَ إلى خندقٍ في مسقط رأسه!.
5-ركّزَ الإعلام على “سقوط الصَّنمين” في العاصمتين.
6- كان من النتائج الأولى لما جرى في بغداد “تغلغل إيران” في العراق بأسره، فيما انحسر “التغلغل الإيراني” من دمشق، ومن سواها!.
7-مثلما دخل العراق “معارضون شيعة” رعتهم الجارة إيران ليكونوا “البديل” في سلطة بغداد، دخل سوريا “معارضون سُنّة” رعتهم الجارة تركيا، ليكونوا “البديل” في سلطة دمشق.
وثمّة فرقٌ رئيس في المشهد، فقد كشفت الأحزاب والتجمّعات الشيعية المنبثقة في البلد، أو الآتية من الخارج منذ وقت مبكّر عن نيّاتها في الثأر، والانتقام، ومخططها في “اجتثاث البعثيين والصدّاميين”، وشيئاً فشيئاً انحدرت الأحوال، نحو سلسلة من الانتقامات الطائفية، كانت قد تفجّرت سنة 2006 واستمرت لسنوات، ومع أنها انتهت سنة 2008، لكنْ لم تنتهِ جميع عقابيلها السايكولوجية، بل تحوّلت سَوراتُها إلى ما يُشبِهُ الغريزة لدى متشدّدي الطرفين المختصمين، ففحيح الأفعى ذات الرأسين يبث سُمّه كلما تهيأت له البيئة الخصبة!.
لعلّنا في سوريا أمام مشهد مختلف، أقول: لعلّنا من باب الرغبة في التفاؤل…. لكنْ “ألا يُعرفُ الطفلُ الميّت من……..”؟!!. وهل يمكن أنْ يجني المرءُ العنب من الشوك؟!. أرى ثمّة شكوكاً هي في محلّها جداً تربتط بثلاثة عوامل أولها: الخلفية “المتشدّدة، الإرهابية” التي انحدر منها “أبو محمد الجولاني” أو “أحمد الشرع”، كما لخّصناها، معتمدين على أحاديثه نفسه، واعترافاته السابقة. وثاني العوامل: مشبوهية الأطراف الدولية التي تقف وراءه، ودعمت جيش النُصرة، التي ارتبطت بالقاعدة بعد فك ارتباطها بـ”أبي بكر البغدادي”، ثم هيئة تحرير الشام، التي وجدت لها حاضنتها التركية، وداعميها الدوليين!!.
ابتدأتُ مقالي برؤية الكاتب النفيس “محمد الماغوط”، وأختمها بتهديدات ((الشرق الجديد)) طبقاً لرؤيةِ الخسيس “نتنياهو” الذي حرّك قواته لتتمدّد في أكثر من سبع ِ بلدات في الجولان المحتل، واحتلال جبل الشيخ فيها، وحبلُ “مسرّات تل أبيب” ما برح ممدوداً!!!.