رأي

تعقيب على “رأي”..مفارقة المختلفين على اتفاقهم

     قرأت مقالتكم في زاوية « رأي»، تحت عنوان (كلمة لا بدّ منها بحق روح «السيد حسن نصرالله»)، بدقة، أكثر من مرّة.. نظراً لما حفلت به من المواقف والأحداث والشخصيات والآراء ووجهات النظر، في مصفوفة متراصّة ومحبوكة إلى درجة تحتاج فيها إلى فكّ «اشتباك»، خنادق متضادة حدّ التصادم، استناداً إلى اختلاف منطلقاتها الفكرية، والسياسة، والدينية، والطائفية، وصولاً إلى أهدافها التي يبدو أنها تشبه مقاصد من يتقاتلون على حب ليلى، حتى لو أدى ذلك إلى قتل ليلى. والمفارقة أن المتضادّين متفقون على ما هم فيه مختلفون. ومختلفون على ما هم عليه متفقون.. وعلى ما لا يُختلف فيه، وعليه.

  ومن اتساع هذا الاشتباك، والتشابك، يبدو أن من العسير الخروج بموقف واحد، أو رأي موحّد، ما دام التعامل يجري وفقاً «للشكل» في التشخيص، وابتعاداً عن «الموضوع» في الحكم، والتحكيم.. وعلى الرغم من كل هذا التداخل، وازدحام الساحات، وتناحرها المثير للأسى، والحزن، والشفقة، فإن الزميل العزيز صباح اللامي قد وُفق، أيّما توفيق، في اقتحام هذا الحقل من «الألغام»، على ما فيه من مخاطر حقيقية، وأغلبها متصل بالتاريخ، والتراث، والدين، والعقائد، وهي التي تشكل حقائق «مقدسة»، عند معتنقيها، أو صانعيها، حدّ التمترس. وقد نجح في استخدام رجاحة العقل في مواجهة «الغرائز» التي تحكم، وتؤثر بعمق في صنع الأحداث، أو روايتها، واعتناقها، بسرديّة «أشبه باللحن التجريدي»، وهو تعبير جدير بالاهتمام والتوقف عنده طويلاً.

غير أننا نجد أن من الجدير بالإشارة إليه هنا، أن كل الفرقاء، بكل ألوانهم ومستوياتهم، ليس لديهم اليقين، الجامع المانع، المقنع تماماً لمعارضيهم، حتى في بعض الأمور البسيطة، وليس لديهم الثوابت الكاملة التي تضع مسافة للتوافق، والحوار، والتسامح، بدل اللجوء إلى السلاح، والاحتراب الذي لا يستفيد منه إلا أعداؤهم جميعاً.. أو ربما لا يريدون أن يقتنعوا، فتأخذهم العزة بالإثم فيلجؤون إلى سلوك ما لا تُحمد عقباه.. والشواهد أكثر من أنْ تحصى في تاريخنا عامة.. وماضينا وحاضرنا. ونعتقد أن من الأسباب الرئيسة لذلك هو «المزاجية» في أخطر درجاتها، والاستناد والارتكاز على إطلاق «الصفة» التي تدل على الفعل مجرّداً، بحيث يمكن استخدامها من الجميع لإطلاقها على الجميع، وحسب اعتقاد وأهواء الجميع، كالبطل، والشهيد، والنصر، على سبيل المثال لا الحصر.. و«كل حزب بما لديهم فرحون». وكلهم منتصرون.. وكلهم على «حق»، الغائب في هذا الضجيج والتدافع..  أي أنهم يقيسون الحق بهم.. وليس العكس.. متناسين أن «الرجال يقاسون بالحق…»، كما يقول الإمام علي، عليه السلام.. والشعب هو الخاسر الوحيد في هذه المعمعة..

لقد دفعنا ثمناً باهظاً لهذا التناحر  المؤسف، والتخندق البغيض حدّ الخسارات الغبية..  وقد يبدو أنه قدَر مقدّر.. ولكنه، بكل حرقة، في ازدياد.. ولا تبدو له نهاية.. أو مقدار..

مقالات ذات صلة