العراق

“بكتيريا التواصل الاجتماعي”.. تحذير من تحوّلها إلى أداة تهديد لـ”القيم الاجتماعية”!!   

    يتناول الدكتور هاني عاشور  في مقال ننشره بنصّه، ظاهرة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي في الأخلاقيات والسلوكيات المجتمعية، مشيرًا إلى كيفية تطور هذه الوسائل من أداة للتقارب إلى أداة تهديد للقيم الاجتماعية. ويسلط الكاتب الضوء على المخاطر الناجمة عن الاستخدام غير المنضبط لهذه الوسائل، مثل “التنمر” و”الابتزاز”، وما يتطلبه ذلك من تدخلات قانونية وتكنولوجية. كما يناقش التأثير السلبي في الأفراد والدول التي تفتقر إلى المهارات التكنولوجية لمواجهة هذه التحدّيات. وإليكم نص المقال:

    حين ظهر مصطلح التواصل الاجتماعي للعلن مع ثورة التكنولوجيا الرقمية قبل عقود قريبة من الزمن ، كانت الفكرة السائدة لمن تقبل هذا المصطلح أنّ منظومة أخلاقية اجتماعية بدأت تحكم العقل البشري ، وتقرب المسافات بين افراده ، لاغية خصوصيات المعتقدات والأيدولوجيات والاجناس البشرية.

   وبعد سنوات على استخدام الافراد من كل العالم هذا التواصل الاجتماعي ، بدأت تظهر مفارقات غريبة سرعان ما تحولت الى عناصر هادمة للأخلاقيات المجتمعية ، حتى بدأت مؤسسات القانون في العالم تتعامل مع النمط الجديد من العلاقات عبر التواصل الاجتماعي على انها ( جرائم ) او خروقات ، وذهبت اكثر مؤسسات القانون في العالم الى تشريع قوانين ضبط السلوكيات عبر هذه الايجابية التقنية العالمية التي كانت من اهم انجازات عصرنا الحديث .

    وقد صادقت معظم البرلمانات في العالم على تشريع قوانين تحد من ظواهر الاستخدام غير المنضبط لهذه السلوكيات التي تم اعتبارها خرقا لأخلاقيات النظام الاخلاقي ، وقد صاحب كل ذلك ظهور مصطلحات جديدة او نشوء استخدامات جديدة لمصطلحات بدلالات تنسجم مع تلك الخروقات ، مثل ( التنمر ) ، ( التوحش) ، ( الشائعات ) ( المحتوى الهابط ) ( التشهير ) ، (القذف) ( الابتزاز ) وغيرها من مصطلحات جديدة لم نكن قد سمعنا بها في هذا المجال التقني ، ما اضطر شركات الاتصالات الرقمية ، والموقع الالكترونية الى تغيير تقنياتها وتحديثها بما ينسجم وحصر أو إلغاء ما يمكن أنْ يخدش الحياء المجتمعي ، ويصنع ضوابطَ جديدة للتحكّم في أساليب التواصل الاجتماعي وضبط آلياته وتداولاته .

     لقد كانت الشركات تتسابق في تطوير تكنولوجياتها لمواجهة ما يمكن ان أُطلق عليه مصطلحا جديدا هو ( البكتيريا الالكترونية ) ، ان هذه البكتيريا الضارة التي تسلب صحة العقل البشري  ، وتزيده إرهاقا وتعمل على تفكيك الاخلاقيات وعلى الرغم من توسعها ، الا أنها ما زالت غير قادرة على مواجهة هذه البكتيريا .

     لقد لجأت بعض الدول التي لم تتمكن من التوصل للتكنولوجيات الحديثة الى استخدام القضاء والعقوبات لمواجهة هذه البكتيريا الالكترونية ، عبر المحاكم والعقوبات المشددة أو المخففة أو الغرامات ، في الوقت الذي لم تتمكن فيه من إغلاق حسابات العناصر التي تتبنّى نشر هذه البكتيريا الضارة .

    وفي جانب آخر أصبحت بدعة سرقة الحسابات الرقمية لأغراض السرقات المالية التي وصلت بعض ارقامها للملايين واحدة من سرقات المهارات الفنية الكبرى دون ترك أي اثر الجريمة ، مع تطور الكفاءات البنكية رقميا ، والتداول عبر التكنولوجيا الرقمية ، اضافة الى ما ألحقته من أضرار نفسية نتيجة الإبتزاز غير الأخلاقي والتي أدت الى فواجع السقوط الاخلاقي او الانتحار ، او انواع الابتزازات التي لم تكن تخطر على بال احد قبل عقود وربما سنوات .

     لقد وقع الضرر الاكبر في تغول تلك البكتيريا الالكترونية التى تحولت لوحش كاسر يهدد الانسان الذي يشعر ان مواقع التواصل الاجتماعي انما هي تشكيل جديد للفكر البشري ، وانتماء للعالمية من مكان قصي لاختراق الحواجز الجغرافية .

ان اكثر من يقع ضحية لهذه البكتيريا الالكترونية التي لايمكن معالجتها بتطور الصيدلة ، التي تتطور رقميا لحد الان ، هي الدول التي لا تمتلك المهارات الالكترونية الراقية ، واصبح ذلك ابشع ما يهدد امنها ، ونظامها السلوكي والاخلاقي وقدرتها على تجاوز الازمات ، وحتى لو شعرت تلك الدول عبر منظومات بسيطة الى استخدام آلية التكذيب لما يرد عبر التواصل الاجتماعي فإنها غير قادرة على تجاوز سرعة الانتشار الرقمي وتفتيت تجمعات البكتيريا الإلكترونية الضارة .

مقالات ذات صلة