بغداد والقمة العربية وهواري بومدين..عمّي تبون؛ لا تذهب للعراق!



من المقرر أنْ تعقد ببغداد في 17 مايس المقبل القمة العربية التي تثير لغطاً داخلياً وعربياً فيما يتعلق باحتمال مشاركة الرئيس السوري أحمد الشرع ، والأهم هو اللغط الذي يصاحب حضورالرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.
وتشهد الجزائر حملة واسعة النطاق في وسائل الاتصال تحث الرئيس تبون الذي يُحبُّ أنصاره تسميته ( عمّي تبون) على عدم المشاركة شخصياً لأسباب لا علاقة لها بموضوعات جدول الأعمال ، بل بسبب حساسية تاريخية من قمة سابقة عقدت ببغداد عام 1978 وشارك فيها الرئيس الجزائري آنذاك هواري بومدين.

وفي آخر رحلاته الخارجية قبل وفاته زار بومدين بغداد لحضور مؤتمر القمة ، ودمشق لحضور اجتماع دول جبهة الرفض المناهضة لصلح أنور السادات مع إسرائيل ، وموسكو للعلاج ثم عاد بإلحاح زوجته، ورافقه فريق من الأطباء السوفيت ،وتوفي في الجزائر يوم 27. كانون الأول عام 1978 ، وكتتُ حينها في الجزائر مراسلاً لوكالة الانباء العراقية.
وبعد 47 عاماً على وفاة الزعيم الجزائري بقيت ظروف وفاته يشوبها الكثير من الغموض ونُشر حولها كميات هائلة من الفرضيات والتصريحات الصحفية والمقابلات التلفزيونية ومذكرات السياسيين والدبلوماسيين والعسكريين الجزائريين والعرب وبقيت طلاسمها دون حل حتى اليوم ولم تنجح في كشف الأسباب الحقيقية لوفاة هواري بومدين.

وهنالك من يتهم العراق، وآخرون يتهمون سوريا ، لكن الحقيقة لم تعرف حتى اليوم بالرغم من أنه أبلغ أطباءَهُ السوفيت بأنه أكل شيئاً ما في الطائرة بعد مغادرته دمشق وشعر بوعكة صحية وكانوا يظنون أنه مصاب بسرطان المثانة لكن الفحوصات أثبتت عكس ذلك.
وبعد سنوات طويلة من وفاته بدأ مسلسل القيل والقال حول فرضية تسميمه وتحدثت عنها أطراف جزائرية وعربية وأجنبية.
لم يستطع الأطباء الجزائريون إعطاء تشخيص دقيق لحالة الإرهاق والألم التي عانى منها بومدين، لكنهم رجحوا أن يكون مصاباً بسرطان المثانة، وسافر إلى موسكو لتلقي العلاج، وسيظل هنالك لمدة شهر ونصف الشهر، ليعود إلى الجزائر يوم 14 تشرين الثاني على أمل أن يتماثل للشفاء النهائي في منزله، لكن بعدها بأيام سيصبح الوضع أسوأ مما كان عليه، واستلزم نقله إلى إحدى مستشفيات الجزائر العاصمة، وهناك ودع الحياة يوم 27 ديسمبر قبل أن يُدفن يوم 29 ديسمبر 1978 في مقبرة العالية.
لم يستبعد كبير أطباء الكرملين في الاتحاد السوفياتي الأكاديمي يفغيني تشازوف، أن يكون هواري بومدين قد توفي مسموماً، وقال تشازوف وهو الطبيب المعالج لبومدين إن الرئيس الجزائري أخبره بأنه أكل شيئا ما مسموماً .
وذكر الطبيب أن رئيس مجلس الوزراء السوفياتي أليكسي كوسجين اتصل به ليخبره بأن الرئيس الجزائري سيصل اليوم وهو الآن في الطريق وقال إنّ ضيفنا في حالة صحية سيئة وقد جاء ليعالجه الأطباء السوفيات.

وأضاف تشازوف طلبت نقل بومدين فور وصوله من المطار مباشرة إلى المستشفى الذي أعمل فيه الواقع بمرتفعات تلال لينين بموسكو، وجاء بومدين مع زوجته وبعد فحصه الأولي أدركت أنّ المريض في حالة سيئة جداً ، وأن جسمه مصاب بعدوى خطيرة، طالت جميع أجزائه، وعادة ما تظهر هذه الحالة أعراضها في حالات أمراض الدورة الدموية وقد جاء للعلاج بعد مشاركته في مؤتمر الشرق الأوسط بدمشق وبعد هذا المؤتمر تدهورت حالته الصحية.
وكان مرض بومدين خطير جداً ، يتابع تشازوف فقد فحصه الأطباء في الجزائر لكن لم يفهموا المرض، وعندها دعوت كبار الأطباء والأخصائيين السوفيات، وبدأنا في علاج الزعيم الجزائري. وبيّن تشازوف أنّ بومدين أخبره أنه يعتقد بتسمّمه من وجبة تناولها في الطائرة!.
ووافق جميع الأطباء، وهم من خيرة أطباء الإتحاد السوفياتي على الذهاب معه إلى الجزائر، فالاعتقاد الذي كان سائداً، هو أنّ هناك (سُمّاً) في جسد بومدين غيَّر وظائف أجزاء جسمه، لكننا –القول لتشازوف- لم نقل أنّ هناك سماً ، بل قلنا فقط هناك تغيرٌ في معادلة الدم لدى المريض، وأن هناك مشكلة لم نستطع فهمها جيداً وأنّ العلاج جرى في جو سري للغاية. وذكر أن طبيباً سوفياتياً أخبره بأن العلاج بغسل الدم لم يأتِ بنتيجة .
وأثار الأطباء الجزائريون البلبلة باتهام الأطباء السوفيت بالإخفاق في علاج بومدين وأصبح وضعهم صعباً بالبقاء في الجزائر.

****
أما بشأن إسقاط طائرة وزير الخارجية الجزائري محمد. الصادق بن يحيى في الأجواء الايرانية فلم يكشف بعد 22 عاماً على احتلال العراق عن أية مستندات أو وثائق أو شهادات رسمية عن مسؤولية العراق ، سوى مقالات أو مقابلات تلفزيونية لأشخاص تحدثوا عن ظنونهم وليس عن دور مفترض للمقاتلات العراقية.
كذلك لم تكشف سلطات الاحتلال الأمريكية ولا من تولّى حكم العراق من بعدهم أية أدلة عن تلك الحادثة بالرغم من أنّ لحكام العراق الحاليين الموالين لإيران منفعة سياسية في كشف مسؤولية نظام صدام حسين عن مقتل الوزير الجزائري.
ولم تتحدّث المصادر السوفياتية أو الروسية عن معلوماتها بهذا الخصوص بالرغم من أن راداراتها العسكرية كانت وما تزال تغطي المنطقة التي سقطت فيها الطائرة, ولم تظهر الولايات المتحدة أية أدلة ربما تكون أقمارها الصناعية قد التقطتها.

ولم تكشف المصادر الأمريكية ولا العراقية عن أية معلومات أو أدلة عن مسؤولية النظام العراقي عن الحادث بالرغم من ما صادروه من وثائق رئاسة الجمهورية والقيادة العامة للقوات المسلحة ووزارة الدفاع والاستخبارات العسكرية والقوات الجوية والدفاع الجوي وشهادات الطيارين العراقيين .
وفي الختام أناشد الرئيس تبون بالتوكل على الله وإطلاع القمة العربية في بغداد على المواقف الجزائرية التاريخية لدعم التضامن العربي والقضية الفلسطينية في مقدمتها.
وفي الوقت نفسه لم تعثر سلطات الاحتلال الامريكية ولا مخابراتها بعد عام 2003 على أي دليل او اعتراف مسؤول عراقي بأنّ بومدين قد تعرض للتسمم في بغداد.

بينما تشير أحداث التاريخ بأن الود كان ضعيفاً بين حافظ الأسد وبومدين ومنها تهديد بومدين للأسد بالكف عن محاولات مخابراته لاغتيال الطبيب إبراهيم ماخوس وزير الخارجية السوري الأسبق الذي لجأ الى الجزائر وتجنس بجنسيها بعد انقلاب حافظ الاسد في تشرين الثاني عام 1970، وإلا سيجري القبض عليهم ونشر ذلك على الملأ .
كما اشتهر نظام الأسد الأب بتنفيذ سلسلة من الاغتيالات لمعارضيه داخل الحزب وفي دمشق وفي لبنان، وبينهم أحمد العزاوي ومحمود الزعبي وكمال جنبلاط وبشير الجميل ، وإهمال علاج الآخرين في سجونه وفي مقدمتهم الطبيب نور الدين الاتاسي وصلاح جديد والطبيب يوسف زعين وغيرهم.
بقي أن تكشف حكومة أحمد الشرع الحالية في سوريا عن دور نظام حافظ الأسد في تلك الجرائم التي ربما تكون في خزانات أجهزة مخابراته وفي ذاكرة ضباطه.
