لا أمارس هنا اختصاصي، باحثاً في تاريخ الصحافة لكني أقوم بمتابعة ما يهم من أمور أخرى. تبقى ظاهرة إطالة اللحية عند الرجال أمراً غامضاً في عصر الحداثة والتكنولوجيا.
عندما استفسرت من سيدات العائلة عن سبب إطالة الوالد للحيته ، أجابوني بأنه توقف عن حلاقتها مبكراً بعد فترة حزن على وفاة والديه. ولكن الوالد إبراهيم صالح شكر حافظ على تربية اللحية حتى وفاته عام 1944.
كنا في أيام الدراسة الثانوية نلاحظ بعض الزملاء لا يحلقون لحاهم خلال الأسابيع الأخيرة قبل أيام امتحانات البكلوريا ، وعندما تستفسر منهم يجيبون بقلة الوقت لديهم للحلاقة لانشغالهم بمراجعة دروسهم استعداداً للامتحانات وكأن بضعَ دقائق للحلاقة هي الدقائق الحاسمة في مراجعة الدروس أو أنهم لا يأكلون ولا يشربون ولا يغتسلون لانشغالهم بالامتحانات!
كنا نسمع أن الضابط في التعداد الصباحي لمنتسبي وحدته العسكرية يتفحص جيداً بظهر يده ذقونهم ليتأكد من الحلاقة الصحيحة ، وكان محظوراً إطالة اللحى على كل منتسبي القوات المسلحة.
ربما غالبية الدول تحظر على قواتها المسلحة إطالة اللحى ولكن كما يبدو يجري تخفيف هذه القيود كما حصل في العام الماضي في القوات المسلحة البريطانية التي ورثت كل الدول التي استعمرتها بريطانيا قيود إطالة اللحى في جيوشها ، وجيش العراق بضمنها.
يتمنى المعممون الذين يتحكمون بالعراق وبأهل العراق أن تلغى القيود على اطالة اللحى في صفوف الجيش لكن ذلك بعيد الاحتمال في الظروف الراهنة التي تتزايد الضغوط الامريكية على الحكومة العراقية لحل الحشد الشعبي أو دمجه بالقوات المسلحة العراقية.
يشتكي مناهضو حكومة الإخوان المسلمين في سوريا، أنها لم تكن منصفة في توزيع الحقائب الوزارية على شرائح الشعب السوري ويلاحظون أن أصحاب اللحى هم الأكثرية!
هكذا يطغى نفوذ الملتحين على حكام أفغانستان حيث أصحاب اللحى من قادة وعناصر طالبان هم سادة المشهد، بل يفرضون على أبناء الشعب إطالة لِحاهم !
يُنسب الى الفقه عن الحديث الصحيح قولُ النبي صلى الله عليه وسلم: قصوا الشوارب, واعفوا اللحى، خالفوا المشركين.
وقوله صلى الله عليه وسلم: جزوا الشوارب, وأرخوا اللحى, خالفوا المجوس. رواه مسلم وأحمد, وقوله: خالفوا المشركين: وفروا اللحى, وأحفوا الشوارب.
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خالفوا المشركين، وفروا اللحية، وأحفوا الشوارب.
وقد اختلف في حكمها، فمنهم من جعلها فرضاً وحَرَّم الأخذ منها، ومنهم من جعل الحكم بمقدار قبضة أو أقلَّ، ومنهم من قال إنّها سُنّةٌ وليست فرضاً.
والله تعالى أعلم
لكنْ قرأتُ آراءً متطرّفة ضد حلق اللحى واعتبروها فرضاً، حلاقتها حرام!
***
وإذا بحثنا في التاريخ ، نجد أن أدوات الحلاقة قديماً لم تكن متوفرة كما هي متوفرة حالياً ومنها اليدوية والكهربائية والبطاريات، والليزر!
وماذا كان الأنبياء آدم وابراهيم وقادة الحضارات البابلية والفرعونية والاغريقية يستعملون أدواتٍ ما لتشذيب لحاهم وشواربهم!. يُقال إنّهم استخدموا الحجارة الحادة والزرنيخ والمقص او السكين الحاد. ولكن متى تم اكتشاف المقص والسكين ؟
إذا، كيف كان الأولون يحلقون لحاهم ويتخلصون من الشعر الزائد في أجسامهم ؟
***
ويبدو ان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان هو الوحيد بين المنتمين للإخوان المسلمين الذي لا يطيل لحيته مثل الآخرين في الدول الأخرى ومنهم التونسي راشد الغنوشي والسوداني حسن الترابي والمصري محمد مرسي والسوري أبو محمد الجولاني وجميع قادة وأفراد هيئة تحرير الشام والعراقي محمود المشهداني.
وحاول أسعد الشيباني وزير الخارجية السوري في بداية حياته الوزارية حلق لحيته ليبدو أفندياً مثل زملائهِ وزراء الخارجية ألعرب والأجانب ، لكنْ كما يبدو أن أحداً ما نهره على فعلته، وهكذا عاد الشيباني بعد يومين لإطالة لحيته!
ونجد اللحى محظورة في جيش الباكستان، لكنَّ بعض سياسييها مُلْتحٍ وكذلك الحال مع السعودية، إلّا أن الجيش الهندي يَحظُر اللحى مع استثناءات قليلة لأسباب دينية للهندوس والمسلمين.
