العالم

 “اللاجئون في الأرض”..تراجيديا “الحروب والهروب” في عالم غارقٍ بالوعود الكاذبة!!

أقدِّم “اعتذار ضمير” ابتداءً لعميد الأدب العربيّ المرحوم الدكتور طه حسين، إذْ أستعير مع بعض التغيير عنوانَ روايته ( المعذّبون في الأرض) ، لأكتبَ عن اللاجئين في عالمنا اليوم .

   وحسب مؤشرات وإحصائيات دقيقة فإنَّ عالمنا اليوم يشهد لأوّل مرة في تاريخ الارض هذا العدد الهائل من اللاجئين إذ يتجاوز العدد المسجّل أكثر من 122 مليونَ لاجئٍ في مختلف دول العالم ومنذ عقود من زمن ، وبعضهم في طريقه للجوء ، وربما يكون هذا العدد مقارِباً لسكان الكرة الارضية قبل قرون .

   وأغلب الظن أو العلم إن طوفان اللجوء لن يتوقف ، فإذا كان قد حصل عديدُ الملايين منهم على الإقامة الدائمة أو جنسية البلد الذي رحلوا اليه، فإن عشرات الملايين ما زالت في الانتظار، (فَمِنْهُم مَّنْ قَضَى نحبه وَمِنْهُم مَّنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدّلُوا تَبْدِيلاً) .

   فغالبيةُ اللاجئين على قائمةٍ طويلةٍ من الانتظار ، وَمَنْ سَجّلت مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة أسماءهم تجاوز عددُهم 32 مليونَ لاجئٍ ، وأما البقية الباقية فهي رهنُ الظروف والأحوال ، غير أنّ المصيبة الكبرى، هي أن أكثر من 72 مليون لاجئ ما زالوا في بلدانهم أو بلدان مجاورة تحت عنوان النزوح ، وعدم العودة ، فيما يبلغ عدد اللاجئين من الاطفال من ضمن الـ 122 ، نحو 40 % ، وهو ما يعني ان العالم عن قصد أو من دون قصد ، قد أضاع أجيالاً وأجيالاً ، خاصةً وأن أغلب اللاجئين قد فرّوا من بلدانهم الى بلدان أفقر ، طمعاً في الأمان لا طمعاً في المال أو قوت العيال ، وربما تكون الدول الافريقية والدول العربية من أكثر البلدان التي تشهد موجات نزوح ولجوء .

    في المؤرشفات الدولية المختصة ، هناك أكثر من 12 مليون لاجئ سوري ، في بلدان مجاورة لسوريا ، أو من استطاعوا النفاذ الى أوروبا عبر الطرق الرسمية أو تجارة تهريب البشر ، مثلما يهاجر أو يلجأ أو يَفِرُّ ملايين من سكان إفريقيا الى بلدان مجاورة لبلدانهم ، وعلى الرغم من أن أمريكا اللاتينية تشهد موجاتِ هجرةٍ ولجوءٍ وفرارٍ ، إلّا أنها أقل عدداً من إفريقيا والدول العربية .

    لكن السؤال: لماذا الهروب، اللجوء، الهجرة ؟؟. أول جواب عن ذلك ، هو أنّ الحروب والصراعات وعدم الاستقرار السياسي، أوّلُ أسبابِ ذلك ، ثم الفقر وشحة المياه واستثمار الغرب لثروات تلك البلدان، ممّا يجعل شعوبها تفكر بالخلاص والهروب ولو على ظهر نملة ، لعلّها تجد بصيصاً من أمل .

    عالمنا الذي يتحدث بالديمقراطية والأخلاق وحقوق الانسان ، هو الفاعل الأكبر في هذه المأساة المريعة ، ولعل ذلك ما يجعلنا نسمع أقوالاً ولا نرى أفعالاً ، لكنّ الخطير في الأمر أن بعض الدول التي تتحدث بالإنسانية ترفع اليوم شعاراتٍ وترسم سياساتٍ لمنع الهجرة وطرد المهاجرين ، وإعادتهم الى بلدانهم ولو كانت بلدانُهم تسبح فوق بحور الدماء أو تعاني أزمة الجوع .

   عالمُنا اليوم أشبهُ بسفينة غارقة ينجو منها من ينجو ويغرق من يغرق ، مهما اشتدّت عواصف البحر وتشابكت أمواجه ، هذه واحدة من مأساة عالمنا التي لا نرى فيها بوضوح غرقى السفينة ، ( اللاجئون في الارض ) .

مقالات ذات صلة