فكر

“الفلسفة”من سقراط إلى فوكو..ومن بيير آدو إلى طه جزاع، تحرّرٌ روحيّ وأسلوبُ عيش “رخيّ”!

      الكتاب: الفلسفة طريقة حياة “التدريبات الروحية من سقراط إلى فوكو”. المؤلف: بيير آدو. بترجمة: عادل مصطفى. أما الناشر، فمؤسسة هنداوي المعروفة بانتقائيتها الذكيّة في تبنّي طباعة الكتب التي غالباً ما يُقبلُ عليها قُرّاء العربية.  

     وطبقاً للكشف القرائي الفلسفي الذي قدّمه الأستاذ الدكتور طه جزاع يوم أمس الجمعة، عبر “الزووم” من خلال محاضرته القيّمة في بيت الثقافة بواشنطن، أو:  

    (House of Culture & Art Washington DC)

 فإنّ بيير آدو، (1922-2010)، فيلسوف فرنسي ومؤرّخ للفلسفة القديمة، وهو بتعريف الدكتور طه الملفت “لاهوتيٌّ، كهنوتيٌّ نشأ نشأة كاثوليكية متشدّدة، إلا أنّه ضلَّ طريقه إلى الفلسفة”، وفيما بعد من كاملِ سيرته، عُدَّ من أهم الفلاسفة الذين نادوا بإحياء التقليد الفلسفي، الذي يتّخذ من الفلسفة طريقة حياة، وفنّاً للعيش، وتمريناً روحياً.

   الكتاب -بعديد إشارات د. طه جزاع، ومستضِيفتهِ السيدة سُهيلة بورزك (Souhila Bourezg)، وعددٍ من مناقشيه الذين واكبوا المحاضرة باهتمام- يُعدُّ ذا أهمية بالغة لسائر الناس، ولاسيما (المثقفين بعمومهم) ذلك لأنه -الكتاب- ينظر إلى الفلسفة بوصفها “ممارسة حياتية وروحية”. أي أنها ليست كما يظنُّ كثيرون -عن غير دراية- محضُ ترفٍ فكريّ، أو هي مجرّد خطاب نظري أكاديمي، لا يمتُّ بصلة لواقع الحياة، هدوءاً واضطراباً، راحةً وشقاءً، سَّلماً وعُنفاً، الخ..من متضادّاتها التي هي أسُّ تطورها.

    لكنّ الفيلسوف “آدو” أراد كما فهمتُ من المحاضر الذي عُني بكياسة فلسفية أعرفُها فيه أنْ يقرّب  الأفكار إلى الناس، تماماً كما فعل ” بيير آدو” في كتابه، بأنْ يعرضَ خلاصاتٍ للفلسفة اليونانية والرومانية عند قدامى مفكّريها على أنّها ليست أفكاراً مجرّدة، إنما بهدف العيش في حياة أكثر اكتمالاً وسعادة. ومن جميل ما قاله الدكتور طه هنا أنّ الفلسفات والأديان بكلّيتها تشترك في نُشدان الخير ولا تدعو إلى أي شرٍّ!.  ولذا فإن الفلسفة كممارسة روحية، يمكن أن تكون دليلاً لأسلوب في العيش، يحقق السعادة للانسان بتطوير عقله، والتمكّن من قيادِ انفعالاته وغرائزه، أو بتعبير الدكتور طه “كيفية التحكم برغباته، بتقليل محبوباته، وعدم الإغراق في مطلوباته”!.

    لا أريد أنْ أقدّم استعراضاً لما قاله الدكتور طه جزاع، إذ يتيسّر حتماً لمن فاتته المحاضرة، أن يستمع إليها عبر اليوتيوب. وما أريده هنا حقيقةً هي الإشارة الى صِدقيّة أهمية كتاب “بيير آدو”، في تعلّمنا نُشدان الحكمة، والمآلات الراقية للتأمّل الفلسفي، ثم التدرّب على التقشّف ، والتفكّر في الكون، والتدرّب أيضاً على السموّ الروحي، الذي يترقّى بحياة الإنسان اليومية، بل والتدرّب أيضاً على الموت، لكي لا يكون كما وصفه الجواهري:  

     (ذئبٌ ترصّدني وفوق نيوبهِ    دمُ إخوتي وأقاربي وصحابي)

   لقد تعلّمتُ مما قاله الدكتور طه جزاع، قبيل أنْ أقرأ الكتاب تفصيلاً  كيف أوطّدُ نفسي على استمراء “القدر”، وتنظيم “العواطف”، أي أنْ أصل إلى الاتّزان النفسي، ومن ثم السعادة الداخلية، التي من معانيها “الطمأنينة”. وكلُّ ذلك بأنْ أعيش على طبيعتي، ولا أنشُدُ في يوميات حياتي، إلا “اللذّة المعتدلة”.  

    شكراً لصديقي أستاذ الفلسفة الدكتور طه جزاع، الذي أقنع مستمعيه، وأنا منهم أنّ الفلسفة ليست “مُستغلقاتٍ لغويةً أو منطقيةً”، وليست “مجالاً أكاديمياً معقداً”، إنما هي سبيل لتغيير الحياة، ومواجهة التحدّيات، بل يمكن أنْ تتحوّل الى ممارسة روحية تغيّر مسارات حياتنا، أفراداً ومجتمعاً ووجوداً.   

     إنّ كتاب الفيلسوف بيير آدو “الفلسفة طريقة حياة”، بشرح أستاذ الفلسفة د. طه جزاع، يعلّمنا ترابطَ الفكر بالحياة، ويَهدينا إلى “التحرّر الداخلي” بالتأمّل، وبإِعمالِ العقل، وصولاً إلى الحكمة التي هي “ضالّة المؤمن” بأنْ يعيش في سكينةٍ حوّلتها “تعقيدات عالمنا” إلى عبءٍ ثقيل، صار الناسُ بسببها، يصفون الموتَ جزافاً بأنّه “الراحة الوحيدة”!.

   إذن فالفلسفة من سقراط إلى فوكو، ومن بيير آدو إلى طه جزاع، ليست مجرّد “نظريات جافّة”، بل يمكن أن تكون أسلوب عيش رخيّ!.

مقالات ذات صلة