أدب

“الفاتحة” ..قصة قصيرة جداً..بقلم: د. جمال العتابي

         دخلَ محمدٌ بخطواتٍ قصيرة و ثقيلة مجلس عزاء  لمتوفىً  من أصدقائه، أقيم وسط شارع تقف في نهاياته شُجيْراتٌ تبدو  أشباحها ترتعش مع الريح المشتدة، أضواء كاشفة حادة تغمر المكان،  ترسلها المصابيح المشدودة الى سقف الخيمة، جمهرة من المعزّين، واقفون، قاعدون، قادمون ومغادرون، كان البعض يجلس القرفصاء في أطراف الخيمة بالقرب من أوتادها، يدخنون بصمت لكنهم ملأوا المكان بكتل كثيفة من الدخان، ارتفع صوت المقرئ في الخارج، معه كان يتصاعد نفَس محمد، تحوّل إلى شخير، رفع ذراعه اليسرى بصعوبة بالغة كي يمسك بقبضته جهة القلب، ارتشف بشفتين مرتجفتين ما تبقى من فنجان القهوة دفعة واحدة، وراح يسعل، يلوّح برأسه، قبل أن يغشى عينيه الضوء المرتعش الساقط على الطاولة التي أمامه، وهو إذ يجفل، تمتد يده  اليمنى بارتعاش نحو مسند الكرسي، تقبضه رغبة في البقاء، يميل بجذعه، يعاود المحاولة مانعاً ارتجافة الأصابع، تبرق العينان، ويشتعل الوجه المشدود بالرجفة والصفرة، كان يرقب حبّات العرق الساقطة من وجهه.

   نادى بصوت متحشرج وهو يهمّ بالمغادرة: رحم الله من قرأ سورة الفاتحة، لم يكمل القراءة، ظل مسمّراً في كرسيّه بلا حراك، الأقرب اليه من الجالسين أكمل قراءة السورة على روح محمد .

                                                         جمال العتابي

مقالات ذات صلة