العمرُ طريٌ مازال على أوّلهِ يا علاء..



هل يُعقلُ أنّ مغنيَّ الأمسِ قد اعتكف..؟
قلت غداً تستفيق، ضقت بما لا تطيق ومللتُ السكوت؟
هل يعقل يا سائق الدبابة T 52 أنَّ أغانيك انطفأت في حشرجتك الأخيرة؟ لقد كنت تقاوم رجسَ الحروب، تأخذ من الجمر وَقْدَتَهُ، مكابراً لجرح توسَّد بين أضلاعك. غير وانٍ ولا خائف،
سيداً كنت مختلفاً منذ نعومة أظفارك…
شقيقاً لنا تغرّدُ خارج السرب، تجمع أحزانك في (يطغات) الحروب، توزّعها في المصحّات، كنت قاب قوسين من الموت، قصّوا جناحك مثل طير، ثم نبتت بعد الحرب أقوى الأجنحة.
لكن سماءك ما برحت صافية، سماؤك لم تعد الآن تلك السماء، ولم يعد (الحيل) نفسه يا حزامَ ظهري أن احمل مع الاخرين نعشك !
بكيت (ليلى)، وبكيت قبلها سامي وأمي وأبي
بكيت حتى أنني.. لم أبقِ في عيني ما يشربه بكائي…
بكيت حتى ضجرت مدامعي، واختنقت في شفتي بحّة الحزن الذي شبّ معي. منذ أن رافقتنا (السعادة) بأبهى صورها! ( فأبو سعيّد گرابتنا) ، هذه مأثورة أمي تردّدها كلما ينشب الحزن أظافراً كأنها المُدى في صدرها والخوف في لجّة الظلام، لكنها ما انتكست، ولا انحنت – يابختَها – لأيّما وضيع.
في مساء هذا اليوم تكون أنت يا ابا العلا خامس المتّجهين نحو أبواب السماء..
فليجمع الموت المحبين، ومن عاشوا لياليهم حيارى غرباء
فالدرب الى الجنّة مفروش بالنور وبالحنّاء
احترس، احترس يا أخي ( الملائكة تعدو شاحبة) ، حشود في السماء مدججة بالمروءة، تحفّ بك أسراب الطيور.
ما كان أشقاها، تلك هي آخر الكلمات، تمتمت بها شفتاك، والأجفان مطبقة:
(هيّه إيه الحكايه يا ألما*)؟
هذه هي الحكاية يا ضوه العين : انها النهاية
الموت خيط من الظلماء مرتجف، لعبة أخرى، مثل حكاياتك (النص ردن) التي كنت تكتبها يومياً في جريدة المدى. كل الدروب هنا تضيع وأنت لعبتها الأثيرة.. أدخلها بسلام.
حفنة ضوء كنت يا علاء خاطها الموت بأنياب أفاعٍ، ترفق به أيها الحادي، فقدماه ترتعشان، وجسده هدّه المرض.. فاستحالت روحه الظمأى ترابا..
ومضيت.. لا خبر، ولا ودعتني، إني مودعك الحميم أخي فهل ودعتني؟ كثيرة هي الأحاديث التي لم تكتمل شجونها ، وغزيرة هي الدموع الخرساء التي لم تذرف بعد.
لم أزل أصغي لآهاتك يا أبا أحمد، للصمت الذي تقطعه شهقة آه!
هل احترفت الانعتاق، أم انكفأت؟ كنت وحدك تعرف وَعْرَ الطريق، ولم تعرف ذل القنوط، كنت في الروح توقظ معنى الحياة..

……………….
* ألما : حفيدته الصغيرة، بنت نجله الوحيد أحمد، هيه إيه الحكاية، ترنيمة يردّدها باللهجة المصرية، كأنه وحده يحمل أوزار السؤال.