تحليل سياسي

العلاقات “العربية–العربية”..من الانكسار الى الانتظار ..

    ربما أكثر شيءٍ ينتظره العرب هو رؤية موقف عربي موحّدٍ وخطاب عربي مطمئن لأبرز القضايا المصيرية ، فمنذ نهاية الاحتلال العثماني للدول العربية ، وبروز سيطرة الغرب الأوربي ( فرنسا – بريطانيا – إيطاليا ) كان الموقف العربي مشتتاً حسب أهواء المستعمرين ، ولكن الرؤية العربية الوحيدة كانت التحرر من السيطرة الاجنبية ، وتحقق ذلك بثورات تحررية ، لكن تلك الرؤية ضعفت وتبدّدت عندما تحول كل بلد الى سلطة منفصلة  عن مضمونها العربي ، وحتى ما كان يُطلَق عليه الفكر القومي ، كان سلطة مهيمنة محلياً في دول محددة أكثر منه رؤية عربية موحدة .

     ومع نيل بعض الدول العربية ما يمكن أنْ يُسمّى الاستقلال كانت الفكرة المطروحة آنذاك لتوحيد الموقف، هي إنشاء جامعة الدول العربية لتكون غطاء للموقف ، وقد تكونت في 22 آذار – مارس 1945م أي قبل منظمة الأمم المتحدة بشهور، وتألفت في أول وقتها من سبع دول عربية كانت تتمتّع بشبه استقلال سياسي وقتذاك، هي: مصر، سوريا، المملكةالعربيةالسعودية، شرق الأردن، لبنان، العراق، اليمن ، وتم اختيار القاهرة مقراً للجامعة ، وأصبحت ملاذاً عربيا للدول التي تستقل ، بينما اختلف العرب من الدول المؤسسة على التسمية وكان ذلك أول خلاف من نوعه ، فقدت أرادت سوريا اسم «التحالف العربي»أما العراق فأراد اسم «الاتحادالعربي»، إلا أن الوفد المصري رأى أن اسم «الجامعةالعربية» أكثر ملاءمة وتوافقاً مع أهداف الدول العربية.

   لم تكن مواقف الدول العربية متوافقة بينها وفق أنظمة الحكم ملكية أو جمهورية ، كما لم تكن تمتلك الأبعاد الكافية وفق قانون الجامعة العربية الذي ركّز في البدء على الجوانب الاقتصادية والثقافية وتشجيع استقلال الدول العربية التي بقيت خاضعة للاستعمار ، ولكن امام أول اختبار تشتّت الموقف العربي الجامع في نيسان – ابريل 1948 مع قيام الكيان الصهيوني باحتلال أراضٍ فلسطينية وتهجير اهلها ، فأقرت الجامعة العربية إرسال الجيوش العربية للدول المنضوية تحتها لرد العدوان ، فكان الانكسار العربي سيّدَ الموقف في تلك الحرب ، واكتفت الجامعة العربية كصورة للعلاقات العربية – العربية أن تنصح أعضاءها باستقبال المهجَّرين الفلسطينيين .

  وتكرر ذلك الموقف في عام 1967 على الرغم من أنّ الدول العربية التي نالت التحرر ضاعفت عدد اعضاء الجامعة العربية ثم تكرر عام  1973 ، ثم انهار بعد اتفاقية كامب ديفيد ليتحول مقر الجامعة العربية الى تونس حتى بداية التسعينيات ثم يعود الى مصر ، ليفقد العرب موقفهم الموحد وتضاعف الفقد بعد غزو العراق للكويت، فانهار كل خطاب عربي يدعو لعلاقات عربية – عربية منصفة.

واستمر المسلسل الانكساري في الصراع العربي – الصهيوني ، حتى اصبح في السنوات الأخيرة يحمل اسم (الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني )، لتختفي مفردة (العربي) ، وزادت مع تطور التكنولوجيا الحديثة وظهور البث الفضائي وخدمات التواصل الاجتماعي حدة الخلافات، ونيل الدول العربية من بعضها حتى أصبح هاجس الاعلام هو تحطيم اي خطاب عربي موحد ، بل اصبحت فكرة تأييد الانقلابات في الدول العربية مهمة عربية قبل ان تكون مهمة الاستعمار القديم .

    لقد اصابت المواطن العربي حالة من اليأس وبدأ في انتظار موقف عربي موحد من اية قضية عربية ، ولكن الانتظار يطول ويطول ، ليصل الى مرحلة الانكسار الثانية ، ليعيد فكرة الانتظار التي لا افق مضيء فيها ، والسؤال العربي الاكبر .. هو .. هل هناك من بصيص في آخر النفق؟!..حتى الان نتمنى ، ولا نظن اننا سنراه .

مقالات ذات صلة