العقائدي السايكوباث.. انتصار “الطائفية اللعينة” على بقايا التقدّميّة المتهرّئة!




في كتابي الموسوم (ثلاثة إسلامات) قلت: الإسلام السياسي العربي ولأسباب أهمها التجزئة العربية والتنوع المذهبي الذي يصل فقهياً إلى حد تكفير الآخر , سيكون غير قادرٍ على إنتاج حالة وطنية مركزية متماسكة وقوية ومستقلة ومتحضّرة.
ولأنه إسلام أممي ضعيف الصلة بهوية القطر الذي انطلق منه فسيكون جيوسياسياً معلقاً في الفضاء وفاقداً لقدرة الإنتماء الوطني الذي تتأسس عليه مبادئ كالسيادة والاستقلالية.
الإسلام السياسي التركي وكذلك الإيراني هما إسلامان إقليميان بمقدار ما هما وطنيان, لذلك فهما قادران على حسم هوية الانتماء الوطني أولاً, والمحافظة على السيادة, ثانياً والتوسع الإقليمي ثالثاً, وبينهما سيكون الإسلام السياسي العربي وللأسباب الذاتية والوضعية عاجزاً عن المحافظة على استقلاله وسيادته ووحدته الوطنية وسيكون بالنتيجة تابعاً لإحدى القوتين الأساسيتين في الإقليم وهما الإيرانية والتركية.

أقرب الأمثلة عن الإسلامات العربية السياسية هي الإسلام السياسي الشيعي في العراق (الدعوة) ولبنان (حزب الله) من ذوي التبعية لإيران. وفي الجهة المقابلة هناك الإسلام السياسي في ليبيا وإسلام هيئة تحرير الشام في سوريا التابعيْن لتركيا.
إن حالة ارتجاجية كهذه قد أدت بدورها إلى نشوء حالة سايكوباثية** مضحكة ومقرفة ومؤلمة في الوقت نفسه.
على الجانب السياسي الشيعي يأخذ هذا الإسلام على هيئة تحرير الشام مثلاً تبعيتها لتركيا بينما يأخذ الإسلام السياسي السُنّي على حزب الله اللبناني تبعيته لنظام الوليّ الفقيه في إيران.
أما الموقف المؤسف والمضحك والمؤلم والمقرف، فهو ذلك الذي تؤسس له ازدواجية بعض العقائديين، وبخاصة من التيار القومي والبعثي التائه وسط هذه الفوضى “الإسلاسية”* غير الخلاقة حينما يؤكدون على أن كل ما في الجانب (الإسلاسي الشيعي) هو خطأ وحتى جريمة ومُنجَرَفٌ تماماً في تيار التبعية إلى إيران, أما (الإسلاسي السني) ومثاله هنا هيئة تحرير الشام فهو في رأيهم قمةٌ في الأداء الوطني.
بالنسبة إلى (الإسلاسيين), شيعةً كانوا أم سنة, لا يشكّل الأمر بالنسبة إليهم كما قلت مَثْلَبةً, بل قد يفسر الأمر, رغم نتائجه الكارثية السياسية, على أنه أحد إرهاصات توجهاتهم الإسلامية العابرة للحدود.
لكن بالنسبة للبعثيين (السُنّة أو الشيعة) على السواء، فإن انحيازاتهم المبنية على استيقاظ “طائفيتهم النائمة”، إنما تندرج في خانة مرض السايكوباث الناتج من عقائديتهم المُضَعْضَعة أصلاً والتي تؤرخ لانتصار الطائفية اللعينة في دواخلهم على بقايا التقدمية المتهرئة على جلودهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*(الإسلاسي) مفردة أسَّسَها الكاتب-المفكّر السياسي للتعبير عن الإسلام السياسي.
** السايكوباث (Psychopath)، نمط سلوكيّ “مريض”، يتّسم بانعدام التعاطف، وبانخفاض إحساسه بالذنب أو الندم، وهو في سلوكه الاجتماعي، مندفعٌ، عدوانيّ ، و”متلاعبٌ” أيضاً. وغالباً ما يوصف “السايكوباث” باضطراب شخصيته، المعادية للمجتمع “Antisocial Personality Disorder”، لكنّه قد يكون “جذاباً” أو يمتلك “كاريزما” مقنعة أحياناً، إلا أنّ ميله إلى الكذب والخداع، والميكافيلية الحادّة في تحصيل مُراده، يُلقي به في أتوّن التصرّف الأعمى دون التفكير في العواقب. والسايكوباث، يمكن أنْ يتورّط في أعمال عنف أو انتهاكات للقوانين.