فكر

الطائفية التقدمية

فالشيعي (التقدمي) تراه يعلن رفضَه الصارم للطائفية ولكن السُنيّة منها, أما السُنّي(التقدمي) فيعلن رفضه للطائفية, ولكنْ الشيعية منها.
    إنك ترى الأول إيرانيَّ الهوى وهو يتصيَّد أخطاء (اسلاميّي الثورة السورية) الذين امتلكوا السلطة بعد الإطاحة بنظام الدكتاتور بشار الأسد، مثلما ترى الثاني سُعوديَّ الهوى ومؤيّداً جسوراً لعاصفة الحزم وهو يتصيَّد أخطاء (الإسلامويين الحوثيين) دون أن يسأل نفسه عن أسِّ الصراع وخلفياته حتى يجد له مساحة وطنية متميزة بين المتصارعين, ولكي يعلن بعدها انحيازه لطرف دون آخر.

     حتى تكاد تشعر أن وطنية المثقف وتقدميته لم تعد سوى “رتوشٍ” من الماضي، أما طائفيتُه، فما كانت قد غادرته حين كان وطنياً جسوراً, بل لعلّها في حقيقة الأمر، كانت تحولت إلى عاهة نائمة تنتظر الظرف الذي تعلن فيه عن نفسها حتى وإنْ هي أظهرت حينها ميلاً للتبرقُع بوشاح وطني مهلهل.
     وفي معمعة هذا الضياع الثقافي الوطني والتقدمي يضيع البحث الرصين والواعي والمخلص عن الهموم الشعبية الحقيقية التي تتحرّك ما تحت المشهد مباشرة والتي لم يسمح لها المهيمنون على القرار السياسي المرحلي الإقليمي بمختلف اتجاهاتهم للظهور على حقيقتها.


        إن قدرة الإلتزام بالخطاب الوطني والتقدمي الواضح والمتماسك قد تراجعت بحيث صار ممكناً أنْ تنشأ متغيِّرات جوهرية على المفردات السياسية والتعريفات الأساسية, فالصراع الطائفي الذي كان اخْتُصَّ به الطائفيون من القوم لم يعد حكراً عليهم بل تراه امتدَّ ليشمل غيرَهم من أولئك الذين لا يزالون يعلنون عن تمسكهم بأفكار هي بطبيعتها السياسية والأخلاقية نقيضة للطائفية نفسها, حتى بتنا على أبواب أنْ يتحوَّل الصراع المذهبي نفسه إلى صراع قومي ولا يبقى عند حدود كونه صراعاً مذهبياً ضمن قومية واحدة.

    وإذا ما استمر الصراعُ السياسيّ يتغذى بمفاعيله الطائفية لن يكون صعباً بعد فترة من الزمن أن ينتهي الخطابُ الطائفيُّ، ليكون خطاباً قومياً بعد أنْ كان “عابراً للقوميات”, ولكي نكون بالتالي أمام تكوينات اجتماعية خارجة على القوانين العامة وليس على قوانين السياسة وحدَها.
    تُرى هل سيأتي اليومُ الذي نقرأ فيه عن وجود حزب شيوعيّ شيعيّ وآخر بعثي سُنّي وآخر وطني ديمقراطي مسلم وأمامه حزب ليبرالي مسيحي ..؟
    لِمَ لا ؟ ألم تتحول الطوائف عندنا إلى شعوب وتتحول الأديان والمذاهب إلى قوميات ؟!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق