الديموكتاتورية
مَنْ كان المستفيدُ الحقيقيّ من الديمقراطية في العراق ؟.. إنّها القوى التي تتحكّم بعقولِ الناسِ في مجتمع منهكٍ ومحبطٍ, وفيما كان يبدو تصويتاً على الحرية فلقد كان في حقيقته إعلاناً وتأكيداً على إجهاضها بالتسويف والتدليس.
وبدلاً مِنْ أنْ تكون صناديقُ الاقتراع أحدَ وجوهِ التعبير عن الديموقراطية فإنّها أصبحت وسيلةً لإلقاء القبض عليها, ففي المجتمعات التي يتحكم فيها الفكر الشموليّ, والفكر الديني هو أهم أشكال التعبير عنه, يمكن أن تكون الديموقراطية إحدى وسائل التعبير عن التخلف.
في زمن صدام حسين لم يكن هناك شرطيٌّ واحدٌ لحراسةِ الصناديقِ لكنْ كان هناكَ الخوفُ المتجذّر في الأعماق حيث أفلحَ النظام في خلْقِ شرطيّ رقابة داخل كل مواطن عراقي . هذه المرة الجهل والتبعية المطلقة لرجل الدين هو سيّدُ الموقف أما حرية التعبير المبنية على الوعي فلقد كانت هي الغائب الأعظم.
وماذا عملت الديمقراطية أيضاً ؟ لقد عملت هذه المرة بشكل قانوني ودستوري على تفتيت المجتمع العراقي بعد أن عملت دكتاتورية صدام على تعويمه وتنويمه وتسطيحه فكرياً وسياسياً وذلك لأنها كانت ديمقراطية طوائف وليست ديمقراطية برنامج سياسي.
وفي بلد الطوائف فان الديمقراطية لابد وأن تنتج نقيضها حينما تشيع لأكثر الجوانب ظلامية لمفهوم الأكثرية ألا وهو مفهوم الطائفة – الأكثرية. هكذا صار على الطوائف الأخرى أن تؤمن بقدرها الديمقراطي العجيب الذي يجعلها تتحرك من موقع التابع.
إنَّ ديمقراطية الطوائف هي في حقيقتها (ديموكتاتورية). وإن أبشع ما تشيعه أيضا هو مفهوم الأقليات سواء القومي منها والديني لأنها تجعل العراقيين من الأديان والقوميات الأخرى مواطنين من الدرجة الدنيا فتشتغل بأقصى طاقة لتفتيت وتخريب المجتمع .
إن الديمقراطية هنا كلام حق يُرادُ بهِ باطلٌ. السُنًّةُ في العراق ليسوا أقلية إلا في عيون المرضى الطائفيين وكذلك فإنّ الأكراد ليسوا أقلية إلا في عقول المرضى القوميين, وأيضاً فإنَّ المسيحيين القِلّة في بلد الأغلبية المسلمة ليسوا نكِرة الا في عقول المرضى بداء الجهل والتخلف.
هنا تكون الديمقراطية كلامَ حقٍّ أنتج باطلاً. وهكذا فإن الفكرة في بلد ما قد تُنتج نقيضَها في بلدٍ آخرَ وأن أية فكرة أو عقيدة لا تراعي البعد الزماني والمكاني قد تؤدي وظيفة مغايرة. إنَّ الديمقراطية مثلاً التي يُرادُ منها أن تكون انتصاراً للفكرة الحُرّة صارت انتصاراً للعبودية لرجال الدين. والتي يجب المراهنة عليها لإعادة توحيد العراق صارت سلاحاً تقسيمياً.
وحتى بالنسبة الى الشيعة ففي الظاهر يمكن للديمقراطية أن تحقق لهم مكانة الأغلبية ويمكن لها فيما بعد أن تحوّلهم الى أقلية قومية حينما يتمزق العراق ويدخل في دائرة النفوذ الإيراني, وقبل كل ذلك يمكن أن تحوّلَهم الى رعاع أو عبيد لهيمنة الرجال الطائفيين.
وفي حالة كهذه تكون الديمقراطية وسيلة تخلّف لأنها تكفل أنتصاراً لرأي الأخ على رأي ابن العم حتى لو كان رأي الأخير هو الصواب.
إن الديمقراطية في بلد طائفيّ هي سلاحٌ تدميريٌّ ليس لنقصٍ فيها وإنما لنقصٍ في الطائفية ولا يمكن للديمقراطية أن تكون سلاحا للتقدم الا حينما تكون الأغلبية فيها أغلبية برنامج سياسي وليست أغلبية برنامج طائفي.
إن الدولة العلمانية الديمقراطية هي الحل الصائب لبناء عراق موحد ومتحضر. . وليكن شعارنا :
لا للديكتاتورية. لا للإسلام السياسي. لا للأحزاب الدينية.
نعم للأحزاب الوطنية العلمانية الديمقراطية العراقية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يَنحتُ المؤلّف “الديموكتاتورية”، مصطلحاً يمزجُ بين كلمتي “الديمقراطية” و”الديكتاتورية”، ويُستخدم للإشارة إلى نظام حكمٍ يزعم أنه ديمقراطي ولكنه يمارس السلطة بطريقة ديكتاتورية. يمكن أن يوصف بأنه نظام يحتوي على مظاهر الديمقراطية مثل الانتخابات، ولكنه في الواقع يفتقر إلى الحريات الحقيقية أو العدالة، حيث يحتكر الحاكم أو النخبة السلطة بطرق استبدادية…”برقية”.