الدولة المدنيّة..والدولة العَلْمانيّة



لكي لا يقع المثقفون في الفخ : هناك فرق كبير بين الدولة المدنية والدولة العلمانية. الأخيرة بشكلها السياسي هي التي تفصل بين الدين والسياسة وتُحرِّم على رجال الدين وغيرهم أن يؤسسوا لأحزاب ذات صبغة دينية. مكان رجل الدين هو الجامع, ودوره في المجتمع، دورٌ روحي.
أما الدولة المدنية فقد جاء تعريفها لكي يفصل بينها وبين الدولة العسكرية, لكنّه من الناحية الأهم لم يُحرِّم على رجال الدين أو غيرهم تشكيل الأحزاب الدينية كما ولم يحرم على هذه الأحزاب العمل في السياسة والمشاركة في التنافس الديمقراطي. هذا الحق يمنح الأحزاب الدينية فرصة الاستيلاء على قيادة الدولة وفرض منظومتها الفكرية والسياسية على الدولة والمجتمع, كما كاد أن يحدث في مصر بعد السنة التي فاز فيها السيد مرسي العياط بمنصب رئاسة الجمهورية وتمكن الإخوان المسلمون من الهيمنة على الحكم ثم الشروع بفرض حكم الفتاوى على مصر العظيمة التاريخ.

الدولة العلمانية الديمقراطية على خلاف الدولة المدنية تمنع قيام أحزاب ذات صبغة دينية لكن هذه الدولة لا تُشرعن الإلحاد كما يقال عنها, فقد يكون رئيسها متديناً بشكل شخصي لكنه يحتكم إلى دستور وقوانين إنسانية غير مقيدة بالدين إلا حينما تتفق الثقافة الدينية مع قيم التحضر الإنساني. نحن لسنا مجبرين على التقيد بالمفردة على حساب المعنى, ولا بدّ إذن من ثقافة لا تخرج على الموروث الإنساني, وهنا العلمانية بشكل عام, ولا تتقاطع مع الخصوصيات إلى حد الصدام, وهنا الدين على وجه الخصوص, آخذين بنظر الإعتبار أن العلمانية الغربية نفسها تختلف من بلد إلى آخر تبعاً للبنية التحتية التي أنتجتها, فالفرنسية اللائكية هي غيرها في بعض التفاصيل إذا قارنّاها بالإنكليزية التعايشية. ويختلف الأمر أكثر حالَ المقارنة مع الأمريكية, وهكذا من ناحية الخصوصيات أما من ناحية العام الإنساني المبدئي فتجتمع كل العلمانيات على مبادئ وقوانين والتزامات واحدة تبدأ من فصل الدين عن الدولة.
ما قصدته هو منع تأسيس الأحزاب على أساس ديني لأنها حين تَمَكُّنِها ستكون مُلزَمة للعمل بثقافتها الدينية التي تحاول -إسقاط- السماء على الأرض, وهنا التعبير يأتي مجازياً, وكلمة الإسقاط كتبتها للتعبير عن طبيعة الالتزامات التي ستُقَيِّد حركة المجتمع بما يتقاطع وحركة التطور.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*اللائكية: بالفرنسية “ Laïcité“، ومعناها العَلْمانية. وقوامها فصل الدين عن الدولة، بحيث تبقى الدولة محايدة تجاه الأديان، ولا تتبنّى ديناً رسمياً، ولا تتدخل في الشؤون الدينية، كما لا تسمح للدين بالتدخل في شؤون الحكم والتشريع. وظهر هذا المفهوم في فرنسا بشكل خاص في قانون سنة 1905، ويركّز على خلوّ المجال العام من الرموز الدينية، وأنّ الدين مسألة شخصية تُمارَس في الحياة الخاصة.
بمعنى آخر، فاللائكية تضمن حرية المعتقد والمساواة بين المواطنين بصرف النظر عن دينهم، لكنها تمنع استخدام الدين لأغراض سياسية أو سلطوية. ومن جانب آخر، فإنّ فصل الدين عن السياسة لا يعني “إلغاء الدين” بل عدم تدخل الدولة في المجال الديني، فأغلب سكان فرنسا كاثوليك وجزء مهم منهم متدينون لكن أغلبهم لائكيون لأن اللائكية لا تلغي الدين أو التدين.