التشريعات الصحفية العثمانية



تطرقتُ في ملاحظات سابقة لقمع سلطات السلطان عبد الحميد الثاني للصحافة ، ونتابع في هذه المقالة عرض التشريعات الصحفية في السنوات الأخيرة للدولة العثمانية.
أورد رفائيل بطي في الصفحات 138 ــ 139 لكتابه الصحافة في العراق الصادر عن معهد الدراسات العربية بالقاهرة عام 1950 تعليمات الرقابة أيام السلطان عبد الحميد الثاني، ونسبها إلى كتاب باللغة التركية، وقال إنها تضمنت ما يلي
1 ــ يجب قبل كل شيء تنوير الشعب عن صحة جلالة مولانا الملك الغالية.
2 ــ محظور على الصحف نشر أي شيء لم يقترن بمصادقة صاحب الدولة وزير المعارف.
3 ــ محظور على الصحف نشر أبحاث طويلة مهما كان نوعها، أدبية كانت أم فنية، بحيث لا يتسنى للصحيفة أو المجلة نشرها مرة واحدة، ولا يجوز مطلقاً استعمال كلمة (يتبع ) أو غيرها من التعابير التي تدل على أن للبحث صلة.
4 ــ لما كان ترك الفراغ أو ( وضع نقط متتابعة) في المقال مما يسبب تقولات وفرضيات لا طائل تحتها فلا يسمح باستعمال ذلك في المقال مطلقاً.

وفي هذه الظروف المظلمة تعذر على العراقيين إصدار الصحف والمجلات، وحين أتيحت لهم الفرصة، أو تراءى لهم ذلك بصدور التغييرات الدستورية العثمانية عام 1908، فصدرت الصحف، وأغلبها من الصحف الأدبية، لكنها لم تلبث أن تعرضت لذات الإجراءات القمعية التعسفية حين اتضح أنّ جمعية الاتحاد والترقي التي قادت الانقلاب الدستوري لم تكن بأحسن مما سبقها من حكم السلطان عبد الحميد، وكشفت عن أهدافها بأنه حركة طورانية تضم غلاة الداعين الى سياسة تتريك البلدان العربية في الدولة العثمانية ، ومحاربة العناصر غير التركية، فقتلت السلطات العثمانية الجديدة تلك الصحف الناشئة، وعطلت في عام 1912 صحفاً ومطبوعات عراقية لم يكن بعضها قد أصدر بعد عدده الأول، أو انها أصدرت عدداً واحداً فقط.

وأدمجت الحكومة في نيسان عام 1913 مديرية المطبوعات بوزارة الخارجية، بمديرية المطبوعات الداخلية، وأسندت لها مهمة تنفيذ أحكام قوانين المطبوعات والمطابع، وأنشأت لها فروعاً، سمّي أحدها مكتب الاستخبارات العمومية الذي يتولى نشر الدعاية للحكومة، ونفي صحة التقارير المعادية، التي تنشرها الصحف الأجنبية. وحمل فرع آخر اسم مكتب التدقيقات الذي انحصرت مهمته بتحليل الصحف المحلية والأجنبية على السواء، وإعداد تقارير بمضمونها تقدم الى الحكومة، وزادت القيود على المطبوعات، وتعرض الصحفيون لمحاولات الاغتيال في شوارع العاصمة العثمانية.
وطال القمع العثماني الاتحادي الصحفيين والكتاب والأدباء العراقيين، وتعرضوا للاعتقال والنفي في عام 1915، ومنهم عبد الحسين الأزري وإبراهيم صالح شكر وإبراهيم حلمي العمر وداود صليوة وعبد اللطيف ثنيان، بل أن الوالي جاويد باشا قام شخصياً بجلد إبراهيم حلمي العمر بسبب مقال كتبه العمر ضد الاتحاديين.
وبعد قيام الدولة العراقية، سمحت المادة 113 من القانون الأساسي العراقي أول دستور الذي صدر في 21 آذار 1925 لكل القوانين العثمانية المعمول بها عند صدور الدستور، بالبقاء حتى تسمح الظروف باستبدالها،ولذلك يستوجب البحث أن نتعرف على طبيعة القوانين والأنظمة العثمانية ذات الصلة بالمطبوعات والصحافة قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، ومنها سنوات حكم السلطان عبد الحميد الثاني.

وقبل أن تصدر أول صحيفة عراقية زوراء عام 1869 بأربع سنوات، كانت الدولة العثمانية قد أدركت أن شؤون المطبوعات بحاجة للتنظيم، فأصدرت عام 1865 أول قانون عثماني للمطبوعات بقي نافذاً ثلاثة عشر عاماً حتى أوقف السلطان عبد الحميد الثاني عام 1878 العمل به، لصالح تعليمات تخول دائرة الرقابة فقط صلاحيات التعامل مع كل الأمور ذات الصلة بالصحف، والمطبوعات الأخرى.
وهكذا كانت زوراء قد صدرت في ظل أول قانون عثماني للمطبوعات، لكن غالبية الباحثين في تاريخ الصحافة العراقية قد أهملوا تقصي آثاره، وفاتهم الإطلاع عليه، وكرسوا حديثهم على تعليمات دائرة الرقابة، وكأن تاريخ التشريع العثماني تجاه الصحافة قد بدأ مع تلك التعليمات، وكان بينهم المؤرخ عبد الرزاق الحسني، ورفائيل بطي، وغيرهم ، مع أن كنز الرغائب في منتخبات الجوانب قد نشر عام 1878 نص قانون 1865.
وصدر القانون العثماني الأول في 1 كانون الثاني 1865، وتضمن الأحكام الهامة التالية:
ــ لا يطبع جرنال في الممالك العثمانية من دون إجازة من الدولة.
ــ على رعية الدولة أن يلتمسوا الإجازة من ناظر المعارف العمومية، وعلى الغرباء من ناظر الأمور الخارجية.
ــ المادة14 كل صاحب جرنال يطبع ما يغاير الآداب العمومية ومحاسن الأخلاق الملية، ويحتقر الأديان والمذاهب الجارية، يغرم ليرة واحدة إلى خمس وعشرين ليرة، أو يحبس من أسبوع إلى ثلاثة أشهر.
ــ المادة 15 كل صاحب جرنال يستعمل ألفاظاً وتعبيرات غير لائقة بمقام السلطنة السنية، أو بمقام مولانا المعظم، أو يتعرض لحكومته السنية، يغرم من خمس وعشرين ليرة إلى مائة ليرة، أو يحبس من نصف سنة إلى ثلاث سنين.
ــ المادة 21 من طبع ذماً في سفراء الدول الأجنبية ومرخصيها وسائر مأموريها المرسلين إلى الحضرة السنية، يغرم من ليرة إلى ثلاثين، أو يحبس من 8 أيام إلى 8 أشهر.
ــ المادة 26 يمنع طبع الحوادث الكاذبة تعمداً وعن سوء نية وقصد، أو نقلها ودرجها، ومن فعل ذلك، يغرم من عشر ليرات إلى خمسين ليرة، أو يحبس من شهر واحد إلى سنة تامة.
ــ المادة 31 المتضرر من مطبوعات الجرنالات ونحوها، له المحاكمة ابتداء، أما القدح في الذات السلطانية والحكومة السنية ووكلاء الدولة العلية وفي الآداب العمومية ومحاسن الأخلاق، فالدعوى عليه تقام من جانب الحكومة، وتحقير الأديان والمذاهب من طرف مأموري الأديان بموجب استدعاء الحكومة.
– المادة 35 هذه القوانين تعتبر دستوراً للعمل ابتداء من أول جنواري الإفرنجي سنة 1865.
وألزمت المادة الرابعة صاحب المطبوع جرنال الصادر في العاصمة، الأستانة، بإرسال نسخة من مطبوعه إلى مدير المطبوعات. أما من هو خارج العاصمة فيرسلها إلى الوالي.

فشكلت لتنفيذ هذه الشروط لجنة خاصة مهمتها إعداد قانون مطبوعات جديد يتلاءم معها، وترأسها Server Pasha ومعه 11 عضواً، وبعد شهرين من العمل رفعت دراستها الى الباب العالي الذي أحالها بدوره إلى البرلمان في 21 نيسان 1877، حيث درستها لجنة برلمانية من عشرة أعضاء، وناقشها البرلمان في 7 أيار بمشاركة ممثلي الولايات العثمانية وبينهم الحاج حسين من سوريا ويوسف زيا من فلسطين. واعترض النواب بشدة على بنود لائحة قانون المطبوعات الجديد، واعتبروها بنوداً قاسية.
ولأن السلطان عبد الحميد، كما تشير البحوث التاريخية لم يكن يحب (الصحف الفكاهية)، فقد تضمنت اللائحة مادة تمنع مثل هذه الصحف، حتى أن رئيس الوزراء الصدر الأعظم فرض قيوداً على نشر المطبوعات الفكاهية، وتسببت في إحدى المرات بحبس تيودور كاساب، صاحب مجلة Hayal الفكاهية لمدة ثلاث سنوات لأنه تجرأ على نشر كارتوناً يسخر فيه من مشروع القانون وحرية الصحافة، في وقت كان فيه البرلمان يناقش مشروع القانون الجديد للمطبوعات.
ولأن الباب العالي كان يصر على ما في اللائحة دون تعديلها فقد بقيت كما هي وعطل السلطان الدستور والبرلمان الى اجل غير مسمى.

ويرى فيليب طرزي أن السلطان عبد الحميد الثاني كان لا يهتم بأمور الدولة بقدر اهتمامه بسلامته الشخصية والمحافظة على مركزه، ولا يحب الصحف، حتى وصل به سوء الظن عام 1898 الى درجة وضع المطابع تحت إشراف الشرطة .
ونتيجة لتعطيل السلطان العمل بالدستور والقوانين الأخرى، وجدت الدولة العثمانية نفسها، بحاجة إلى صيغة رسمية للسيطرة على إدارة شؤون المطبوعات، فأصدرت في 19 كانون الأول 1880 نظاماً للمطبوعات وتضمن الكثير من أحكام القانون المعطل مع تفاصيل دقيقة أخرى حول استبدال أسم المطبوع ومواعيد نشره ومحل طبعه، وتحديد المسؤولية في تحريك الدعوى القضائية ضد المطبوع، ونصت مادته السابعة على أن صاحب المطبوع هو المسؤول الأول، ومشتركة بينه وبين كاتب المقال إذا كان موقعاً بأسم كاتبه.
كما استبدل هذا النظام مصطلح جورنال المعمول به منذ قانون 1865 الى مصطلح جريدة .
ولابد من التأكيد هنا على عدم صحة ما كتبه بعض الكتاب المعاصرين من ان ( جورنال) كانت اول صحيفة عراقية.
وتضمنت مواد النظام من تسلسل 10 إلى 33 عقوبات بالغرامة المالية والحبس والتعطيل، وهي المواد السائدة في هذا النظام الذي يكاد أن يكون نظاماً للعقوبات وليس للمطبوعات.

وتحت قيود هذا النظام، لم تعد الصحف قادرة على استخدام حتى جملة قاتل الملك إطلاقاً، ويحظر عليها الإشارة إلى السلطان المخلوع مراد الخامس بعد خلعه عام 1876، وهي السنة التي شهدت شهورها تولي ثلاثة سلاطين، حكم الدولة العثمانية وهم عبد العزيز الذي خلع عن العرش ومات منتحراً، ومراد الخامس الذي خلع بعد ثلاثة شهور من توليه، وفي 31 آب 1876 تولى السلطان عبد الحميد الثاني السلطنة وبقي فيها حتى جرى خلعه عام 1909.
وهكذا نسبت صحف الدولة العثمانية وفاة ملك وملكة صربيا عام 1903 الى ( سوء الهضم ) بينما الحقيقة أنهما ماتا قتلاً حين ألقى المتمردون بهما من النافذة بعد إطلاق النار عليهما والحال نفسه مع الأميرة النمساوية، اليزابيث التي أماتتها الصحافة العثمانية بذات الرئة وليس قتلاً، وغيرهم ممن مات بالسكتة الدماغية أو الجمرة الخبيثة وليس قتلاً أو مؤامرة ضدهم، ومن القصص الطريفة التي ينقلها لنا عبد الرحمن فوزي في كتابه الرقابة على المطبوعات في العراق الصادر عن وزارة الثقافة والاعلام، ببغداد عام 1981 ما يدلّل به على غباء رجال الرقابة العثمانية، ويقول إنّ رجل الكمرك أيام السلطان عبد الحميد كان ممن يمارسون الرقابة، واكتشف أحدهم ذات مرة عند تفتيشه لحقائب أحد الطلبة العائدين، كتاباً في الكيمياء، وتصفّحه فوجد في صفحاته ( مصطلح H2O ) وهو الرمز الكيماوي للماء، فاستشاط الرقيب غضباً، وصرخ في وجه الشاب العائد أنت ضد الحكومة وضد السلطان مما أدى إلى إصابة الطالب بالرعب لأن اختصاصه هو الكيمياء وليس السياسة، فرد الرقيب عليه إني أعرف حيلكم ودسائسكم فالمقصود بـ H2O هو السلطان عبد الحميد الثاني، لأن الحرف الأول هو الحرف الأول من حميد، والرقم 2 يعني الثاني، أما الرقم O فيعني أن السلطان يساوى صفراً!
وقرر منع دخول الكتاب لتعرضه للذات السلطانية العليا .

ولم تكتف دائرة الرقابة على المطبوعات في الدولة العثمانية بتلك القيود الصارمة، بل كانت تصدر التعليمات المتلاحقة بمنع استعمال كلمة ( يتبع ) للمقالات الطويلة،ومنع نشر الشكاوى، والأخبار ضد ملوك الدول الأجنبية، وبقي الحال على ما هو عليه دون تغيير حتى انقلاب عام 1909 وعزل السلطان عبد الحميد الثاني، والذي سماه المؤرخون الانقلاب الدستوري ، وحدث تغيير مؤقت لم تلبث جمعية الاتحاد والترقي بعده وأن عادت الى الأسلوب الحميدي الاستبدادي السابق في قمع الصحافة.
وأصدرت سلطات الانقلاب في البداية سلسلة من القوانين والأنظمة لتكون بديلة عن سابقتها، وأدخلت أحكاماً جديدة لنظام المطبوعات الصادر في 11 رجب 1327 هجرية، الموافق 29 تموز 1909 ميلادية، وفسح بعضها المجال لكل من يرغب، بإصدار مطبوع ما دون الحاجة للحصول على الإجازة الرسمية، بل مجرد إبلاغ نظارة الداخلية بتصريح موقع بأسم صاحب المطبوع وأسم مديره المسؤول في الأستانة، وإلى الولاة والمتصرفين في الولايات. أي أن نظام المطبوعات هذا قد ألغى شرط الإجازة المسبقة المعمول به في النظام الحميدي.

ومن المرجح أن هذه المادة هي التي أتاحت لعدد من العراقيين، ومنهم الوالد، إبراهيم صالح شكر، فرصة إصدار صحف عراقية كثيرة في الفترة ما بين الانقلاب عام 1909 والحرب العالمية الأولى في 1914، لكن هذا التغيير الذي وصفه المؤرخ عبد الرزاق الحسني بنسيم الحرية ، وغيره وصفها بالنهضة الفكرية والثقافية الواسعة ، لم يستمر طويلاً فانقلبت عليه السلطات العثمانية التي أصدرته، وهي جمعية الاتحاد والترقي التي تبنت سياسة طورانية تهدف الى تتريك كل ما هو غير تركي في ولايات الدولة العثمانية، وعادت الى استخدام شرط الإجازة لإصدار المطبوع، ومارست القمع والحبس والنفي والإبعاد لصحفيي وكتاب الولايات، ومن بينهم عدد كبير من العراقيين.
وعدلت حكومة جمعية الاتحاد والترقي قانون المطبوعات لعام 1909 عدة مرات، ثلاثٌ منها في ثلاث سنوات متتالية، 9 آذار 1910، و2 آب 1911، وفي عام 1912، ثم تعديل رابع في آب 1914. وأحتفظ بين مقتنياتي التاريخية الخاصة، بنصوص هذه التعديلات كاملة، ولذلك فإنّ دراستي لقوانين المطبوعات العثمانية بعد انقلاب عام 1909 تعتمد أساسـاً على هذا القانون والنظام اللذين أصدرتهما حكومة جمعية الاتحاد والترقي، ثم أنقلبت عليهما.
وتضمن نظام المطبوعات لعام 1909، 37 مادة رئيسة، ومادة مؤقتة واحدة، جاءت في أربعة فصول، تحت عناوين كيفية النشر، والعقوبات، والقدح والإهانة، ومواد متفرقة . فألزمت المادتان الأولى والثانية جميع الصحف، اليومية وغير اليومية، بأن يكون لها مديرٌ مسؤولٌ عمره 21 عاماً في الأقل، ويعرف اللغة التي تكتب بها الجريدة ، بينما ألغت المادة الثالثة شرط الحصول على الإجازة الحكومية لإصدار المطبوع، ونصت على ما يلي:
على كل من يريد نشر جريدة أو نشرة يومية أو غير يومية أن يرفع إلى نظارة الداخلية تصريحاً مخطوطاً موقعاً باسمه واسم المدير المسؤول في الأستانة، وإلى الولاة والمتصرفين في الولايات، يتضمن عنوان المطبوع، ومحل نشره ونوعه وأوقات صدوره واللغة التي يصدر بها .

وهذه هي المرة الأولى التي يُلغى فيها شرط الحصول على موافقة الحكومة لإصدار المطبوعات بعد أن كان قانون 1865 ينص على الحصول على موافقة نظارة المعارف العمومية، أي وزارة المعارف.
وفي الفصل الثاني من نظام 1909 جاءت أحكام العقوبات في 16 مادة، وتتضمن ما هو محظور نشره، وما هو مسموح به، فألزمت المادة الثامنة إرسال نسختين من كل عدد وفي يوم الطبع إلى أكبر مسؤول إداري ينتمي إلى نظارة الداخلية، وإلى المدعي العمومي، وفرضت غرامة قدرها نصف ليرة عثمانية على كل عدد لا يتم إرساله.
وحمّلت المادة الحادية عشرة، المدير المسؤول أولاً، ثم صاحب المطبوع إذا كان اسمه منشوراً، وبعدهما صاحب المطبعة ، والبائع الموزع ، مسؤولية ما تنشره الصحيفة، فيما حظرت المادتان الثالثة عشرة والخامسة عشرة، نشر القوانين والأنظمة قبل إعلانها الرسمي وجلسات المحاكم السرية، تحت طائلة عقوبة الغرامة المالية من ليرتين إلى عشر ليرات، وحجز الصحيفة عند الحاجة.
وتعاملت المواد من تسلسل 16 إلى 20 مع نشر المقالات المعادية للأديان، وما يحرّض على ارتكاب الجرائم، والتهديد للابتزاز المالي، والمس بالكرامة والشرف، والأخبار المزورة والمحرفة، والرسوم المخلة بالآداب العامة، وفرضت عقوبة الحبس من شهر إلى سنة، أو الغرامة من 20 ليرة إلى مائة على المخالف لما يتعلق بالأديان، واعتبار المحرض على الجريمة كمرتكب الجريمة نفسه، وفي حالة عدم وقوع الجريمة بالرغم من التحريض، فيبدل العقاب إلى النفي المؤبد. وفي حالة الابتزاز المالي، يعاقب المخالف بالحبس ما بين ثلاثة أشهر وثلاث سنين، والغرامة من عشر ليرات الى مائة، وعن نشر الأخبار المزورة بالحبس من ستة أشهر إلى سنة، وعن نشر الصور المخلة بالآداب العامة بالغرامة فقط من ليرتين إلى عشر ليرات.
وحافظت الحكومة بالمادة 23 من نظام 1909 على حقها في تعطيل المطبوع بعد محاكمة المدير المسؤول عن نشر أخبار التحريض على الجريمة، إذا ما اقتضت الراحة العمومية ذلك ، لكنها منحت المدير المسؤول حق طلب التعويض عن الخسارة التي أصابته بسبب التعطيل . وقد غاب حق التعويض عن جميع قوانين المطبوعات العراقية التي صدرت بعد عام 1931، بل كانت تلك القوانين تسمح للمحكمة بحجز التأمينات المالية حتى يدفع الصحفي المحكوم الغرامة المالية المفروضة عليه.
ولم تستثن المادة 24 من نظام 1909 في أحكامها الجزائية أية وسيلة من وسائل النشر، بما في ذلك الصور والمقالات والأوراق المخطوطة أو المطبوعة، المباعة أو الموزعة في المحلات العمومية وأماكن الاجتماع، والجداول، والإعلانات التي تعرض على أنظار العموم .
وخصص الفصل الثالث، ست مواد للقدح والإهانة ، ونصت المادة 25 منها على أن القدح هو كل ما يعزى إلى شخص أو إلى هيئة ما من حادثة معروفة تمس بشرفه أو بسمعته ، أما الإهانة فهي ما يعزى إليه بدون الاستشهاد بحادثة معروفة ، ووزعت المواد الخمس الأخرى حالات القدح والإهانة، الموجهة إلى السلطان، والملوك ورؤوساء الحكومات الأجنبية، وأسرة السلطان، وأعضاء مجلس الأعيان والنواب، والجيش والبحرية، وقناصل الدول الأجنبية، والأهالي، والوزراء، وفرضت عقوبات تتراوح ما بين ثلاثة اشهر الى ثلاث سنين،لإهانة السلطان، وشهر إلى سنة لإهانة الملوك الأجانب، و15 يوماً إلى ستة أشهر أو الغرامة من خمس ليرات إلى خمسين لإهانة أعضاء البرلمان والجيش والبحرية والقناصل الأجانب.

وفي تعديل عام 1912، حظر نظام المطبوعات على الصحف نشر كل ما يرسله لها،ضباط الجيش والبحرية والمتقاعدون منهم من آراء سياسية أو انتقاد السلطات العسكرية تحت طائلة عقوبة حبس المدير المسؤول الذي يتكتم على اسم وهوية الضابط الذي أرسل المقال.
ووردت سبع مواد متفرقة في الفصل الرابع تختص بطبيعة المحاكم التي تنظر في المخالفات الصحفية، وطريقة إقامة الدعوى، وهوية المجلات الأدبية والعلمية والمطبوعات الأجنبية. فحصرت بالمحاكم العادية صلاحية النظر في الدعاوى، ولكن خولت المدعي العام المرافعات ذات الصلة بالقدح والإهانة ضد السلطان وأسرته، والإساءة للأديان، والتحريض على الجريمة، ونشر الرسوم المخلة بالآداب، وأن يثير المدعي العام بعد تلقيه مذكرة من وزارة الخارجية، الدعاوى التي تتعلق بالملوك والقناصل الأجانب، بينما تجري المحاكمات في قضايا إهانة النواب والهيئات الرسمية والجيش والبحرية وفقا لشكوى تحريرية توجه إلى وزارة العدلية، من رؤوساء هذه الدوائر، ومن قادة الجيش. ومنع نظام 1909 إقامة الدعوى بعد مضي ثلاثة أشهر على تاريخ النشر، كما منعت المادة 33 نشر حركات الجيش في البر والبحر إذا كانت الحرب وشيكة إلا بإذن خاص من الصدر الأعظم، ومعاقبة المخالف بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين، أو بالغرامة من خمسين إلى 200 ليرة، أو بكلتا العقوبتين معاً.
واعتبرت المادة 34 المجلات الأدبية والعلمية، كل الكتب ، وخولت المادة 35 مجلس الوزراء منع الصحف والمجلات الأجنبية من التوزيع في الدولة العثمانية، بينما ألغت المادة 36 قانون المطبوعات الصادر في 2 شعبان سنة 1281 هجرية، الموافق 4 كانون الثاني عام 1865 ميلادية، والذي سبق للسلطان عبد الحميد وأن عطل العمل به، ومنح نظام المطبوعات لعام 1909 المعدل، أصحاب الصحف والمجلات القائمة فترة شهر واحد لمراعاة أحكامه.
وخضع نظام 1909 وفي أوقات متقاربة جداً لعدة تعديلات، وكما يلي:
ــ القانون المؤقت في 16 فبراير 1328 1912
ــ القانون المؤقت في 3 مارس 1328 1912 أيضاً
ــ القانون المؤقت في 9 مارت 1329 1913
ــ القانون المؤقت في 9 نوفمبر 1329 1913 أيضاً
ــ القانون المؤقت في 25 أغسطس 1330 1914
وقد لجأت الحكومة الانقلابية العثمانية الى هذه التعديلات المتتابعة لأنها لم تكن تتحمل ما تكتبه صحف تلك الأيام، فشددت القيود وبطريقة أدت إلى إحياء القيود الاستبدادية التي مارسها السلطان السابق عبد الحميد الثاني.
ويبدو أن تعديل 9 مارت 1329 هـ -1913م كان أكثر التعديلات التي تركت آثارها على الصحافة العراقية لاحقاً، واستخدمت الدولة العراقية أحكامه باستمرار والتي ألزمت صاحب المطبوع أن يؤدي على وجه التأمين عن الجريدة والنشرة السياسية خمسمائة ليرة من الذهب في العاصمة، ومائة ليرة في الولايات، وعن المجلات مائتي ليرة في العاصمة، وخمسين ليرة في الولايات مع استثناء المطبوعات السياسية القائمة عند نفاذ هذا التعديل، وبالتالي ألزم المطبوعات السياسية الجديدة فقط. كما ألزم التعديل المذكور أية صحيفة أن يكون لها مدير مسؤول مأذون من المكاتب العالية أو مجازٌ بالدرس أو حائزٌ الشهادة من المكاتب الإعدادية التي جعلت التدريس سبع سنوات ، وحظرت فقرة جديدة أدخلت على المادة الثالثة، على أعضاء مجلس الأعيان والنواب وموظفي الدولة تولّي منصب المدير المسؤول لأي مطبوع.
وفي التعديل في 3 آذار 1912 منح نظام المطبوعات حق التأليف لكل ما ينشر في الصحافة لصاحبه أو لورثته من بعده.
