البابا ليو الرابع عشر.. دخان أبيض فوق عتمة سوداء تغلِّف العالم..



انتهى وقت المشاهدة، والتقاط صورٍ تلقَّفتُها من شاشة فضائية واحدة فقط ظلت لساعات متواصلة، تغطي النبأ الذي شغل العالم كله، بينما قنوات كثيرة ومهمة أخرى، بدت وكأنها أرجأت الموضوع الى أوقات أخرى من نشراتها وساعاتِ بثها المفتوح لتغطية أنباء حروب وكوارث تنهش جسد البشرية المتعب، المُغلّف بعتمة سوداء تخيم على أرجاء عديدة من المعمورة.

قناة (France 24)، لفتت انتباهي، في فترة ظهيرة الخميس (حسب توقيت فانكوفر) في انهماكها بحوارات وأحاديث وتحليلات متصلة عن شخصية الحَبْر الأعظم الجديد ليو الرابع عشر، خَلَف البابا المحبوب الراحل، صديق الفقراء والبسطاء والمعذبين، الذي ما زال الملايين يعيشون على ذكراه، ويتمنون أنْ يسير سيد الفاتيكان الحالي على خطى سلفه، وأنْ يوفق في التصدي لتركة ثقيلة أفنى (فرانسيسكو) سنوات حَبْريّته في مواجهتها بكل ما أوتي من عزم وإيمان وتضحية، وبساطة وإنسانية وأريحية، لم يبخل بها العجوز الذي رحل وهو يطرق أبواب التسعين من عمره.

خلال إطلالته من شرفة كاتدرائية القديس بطرس على حشود ساحة الفاتيكان، لمحتُ التماعة تشبه الدموع في عيني أول بابا من بلاد العم سام، كان يحمل اسم الكاردينال (روبرت فرنسيس بريفوست)، ومن أصول فرنسية، لم تخفها نظّارته ولا ضحكته ولا يداه الملوحتان بالتحية والبركة، وكأني بلسان حاله يقول: أمامي عمل كثير، صلّوا لأجلي .. ساعدوني.

لستُ في وارد ما قيل، وهو كثير ومتشعب، عن سجايا البابا الجديد من اللحظات الأولى، بل اكتفيت بتوثيق تعليقات اقتبستها من (سابتايتلات) القناة الفرنسية، وفيها الكثير مما يسلط الضوء على شخصية يدعو اختيارها الى التفاؤل، ومن بينها ان البابا الراحل وجَدَهُ من بين أهم الكرادلة الذين يصلحون لمواصلة مسيرته.

إلا أنني رغم ما تقدم، لم أنجح في كتم امتعاضي وقرفي من مفارقةِ مهنئين يفتحون أذرعهم للسلام والحوار، وهم أنفسهم من يشعل الحرائق ومازالوا يملؤون سماء الكون بدخان أسود بغيض، بل إنَّ أيدي البعض منهم ملطخة بدماء ضحاياهم من الأبرياء والضعفاء والمعذبين الصابرين على مصائب يندى لها جبين الانسانية حزناً. وهم من ينطبق عليهم حقاً، قول ( إنّ شر البلية ما يضحك)!

أما الصور التي حاولت اختيارها معبرةً عما احتوته سطوري السابقة، فتشمل أيضاً فقرات اعتمدتها من محرك البحث (غوغل) عن معنى اختيار البابا الجديد لاسم ليو.. وفيه أيضاً علامات مشرقة تجعلنا نولّي أوجهنا نحو السماء متضرعين للباري تعالى بأن يأخذ بيديه وهو يسلك طريقاً طويلة محفوفة بالكثير من المطبات والمخاطر.

وحتى نلتقي من جديد، لا يسعني إلّا القول: طابت أوقاتكم، وجعل الباري تعالى أيامكم بيضاً مثل قلوب كل المؤمنين الحقيقيين بسلام يشرق على أرض تجمعنا، ما وُجِدَتْ إلّا لتكون ساحة لخير الانسان وحريته ورفاهيته في كل مكان، بدلاً مما يقاسيه الناس من حالات جور وفقر وجوع وتشرد، أصابتهم باليأس والدوار.

