تحليل سياسي

الإيكونوميست: لا يمكن لطهران أنْ تستهدف حلفاء أميركا في الخليج!

        في إطار حرب “كسْرِ الظهر” الإقليمية في الشرق الأوسط بين إسرائيل، التي باتت “متصالحة”، دبلوماسياً أو بشكل “سرّي” مع نحو عشر دول عربية، وبين إيران “المغضوب عليها عربياً”، إلى حدّ أنْ يسمّيها سياسي عراقي “إسرائيل الشرقية”، لم يعُد أمام نظام المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي –بتعبير مجلة الإيكونوميست- إلا أحد خيارين، إما أنْ يستسلم أو “ينهار””!!.

       بيدَ أنّ الهجمات الصاروخية الأخيرة التي أرتْ قاطني تل أبيب تحديداً مستوى من الدمار لم يعرفوه من قبل، ربمّا ترسم نتائجُها المؤثرة، مساراً آخر للحرب الدائرة منذ أيام، وهو المسار الذي يتضمن شِقّي تصريحات الرئيس ترامب أمس، أولهما: قوله: “إمكانية وقف الحرب بين تل أبيب وطهران”، والثاني تهديده بحرب لا سقف لكارثيتها إذا ما هاجمت إيران القواعد، أو المصالح الأميركية!.  

    يذكّرنا هذا المآل بما آل إليه نظام الرئيس الراحل صدام حسين سنة 2003، الذي جابه مصيراً عاصفاً براديكالية لا نظير لها، لكنّ راديكالية “آيات الله” في إيران، ربما تنحو منحىً آخر عندما تصل إلى “مفترق طرق” بحثاً عن خيار، أشبه بخيار الراحل آية الله الخميني عندما قرّر تناول “كأس السُمّ”، بعد حربٍ ضروس، طالت ثماني سنين، قابلاً بسلام مع العراق في 8—8-1988 اليوم الذي عدّه صدام “يوم الأيام”!.

     وفي الواقع، ثمّة “رأي ضعيف الشأن”، يذهبُ الى الظنِّ بإمكانية أنْ يقبل خامنئ “سلاماً” مع تل أبيب، كان خميني قد قبله مع بغداد، ذلك أنّ “الرأي ذا الشأن” أي “الأكثر عدداً” في أوساط المراقبين العراقيين والعرب والأجانب، أنْ يلتزم الإيرانيون بـ”آخر تعليم لمرشدهم الأعلى”، الذي وعدَ بأنّ إسرائيل ستواجه “عقاباً شديداً”، وما التهديد بتوجيه (2000) ألفيْ صاروخ باليستي، إلّا أهم مؤشرات هذا “الوعد” الذي قوبل بـ”وعد إسرائيلي” كشف عنه مصدر عسكري في تل أبيب بحرق طهران، بل سائر إيران!!.

    ولثلاثة أيام تُقابلُ موجات الهجمات الإسرائيلية الطاحنة، بموجات إيرانية انتقامية من نوعها أيضاً، وبما لم تعرفه مدنُ إسرائيل منذ تأسيسها سنة 1948!. والحرب سجالٌ حتى الآن، فجُندُ نتنياهو، هدفهم “شلُّ البرنامج النووي الإيراني” في الاعتبارات الستراتيجية، و”زعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية” في اعتبارات التكتيك، وسايكولوجية الحرب لتقويض البنية الاجتماعية في إيران، ومن ثم العمل على تقويض النظام.

     إلا أنّ إيران كما يَنظر إلى تفاصيل موقفها تقريرٌ نشرته مجلة الإيكونوميست في عددها الأخير، شديدة الاندفاع نحو “الانتقام” لذاتها الجريحة، و”الإذلال” الذي تعرّض له نظام الوليّ الفقيه، الذي يرى نفسه “مُحرَجَاً” بفظاظة ما لم تتراجع إسرائيل التي شَرَعت بهجومها المباغت، أولاً. و”عقيدة” خامنئي تحديداً، تعُدُّ الردّ الواهن، المتردّد، لن يردع إسرائيل!.

       فماذا لو صار الردُّ الإيرانيّ “قويّاً” و”ذا ديمومة نسبية”؟..إنّ أميركا –برأي الإيكونوميست-  ستتدخّل في الحرب، الأمر الذي يضاعف التهديد الذي يواجهه النظام الإيراني الذي “لم يكن بهذا القدر من الضعف منذ الحرب الطويلة ضد صدام حسين في الثمانيات”، بحسب تعبير المجلة. وستواجه إيران استنزافاً من نوع آخر، فطائراتها المُسيّرة وفيرة لكنها سهلة الاعتراض، فلا يبقى أمامها إلا ترسانة الصورايخ الباليستية التي تقدر بـ”3.000″، ليس جميعها قادراً على الوصول إلى إسرائيل، وما تفقدُه لا يمكن تعويضه بسرعة!.

      مقابل ذلك –تقدّر الإيكونوميست- أنّ مخزون إسرائيل من الصواريخ الاعتراضية لن يدوم طويلاً، ويمكن للإيرانيين أن يستنزفوا دفاعاتها. ومعروف أنّ إسرائيل تعتمد دائماً استراتيجية الحرب الخاطفة، إذ لا نفوسها، ولا مساحتها، ولا سايكولوجيا مجتمعها، لها ولهم أيضاً قابيلة خوض حروب طويلة الأمد!.

    وبعد،

    فهل يمكن أنْ تنحدر الحرب نحو “الخيار الأصعب” بحيث تلجأ طهران إلى استهداف قواعد أميركية في الشرق الأوسط التي تنتشر في جميع أراضي دول الخليج، والعراق، وغيرها؟..واشنطن حذرت من عواقب ذلك، مثلما حذرت “فصائلَ تابعة لإيران” في العراق من أية محاولة للتدخل. وفي هذا الصعيد تقول “الإيكونوميست”: “إذا غضب ترامب، وأمر بضربات أميركية ضد إيران، فإنّ سلاح الجو الأميركي قد يُلحق ضرراً أكبر مما فعلته إسرائيل”!.

      وتقول الإيكونوميست: ” بدلاً من ضرب أمريكا مباشرة، يمكن لإيران أن تستهدف حلفاءها في الخليج مثلاً عبر استخدام وكلائها لضرب حقول نفط في السعودية، كما فعلت في 2019، أو أهداف في الإمارات، كما في 2022. هذا من شأنه أن يرفع أسعار النفط بشكل كبير. وقد أبدت الأسواق المالية قلقها من هذا الاحتمال، ما أدى إلى ارتفاع سعر النفط بنسبة 13% ليصل إلى أكثر من 70 دولاراً للبرميل. في هذه الحالة، سيشعر ترامب بضغط من قادة الخليج الذين تجمعه بهم علاقة دافئة – وأيضاً من الأمريكيين الغاضبين من ارتفاع أسعار البنزين.

     وقد دفعت مخاوف من هذا السيناريو دول الخليج إلى السعي نحو تقارب مع إيران استمر لسنوات. وقد سارعوا إلى التنديد بالضربات الإسرائيلية (وصفها السعوديون بأنها “شنيعة”). ومع ذلك، فإن خيار “كسر الزجاج” بالنسبة لإيران  قد يسمم علاقاتها مع جيرانها، وقد يؤدي إلى جرّ أمريكا إلى الحرب كذلك، بدقيق عبارة الإيكونوميست.

مقالات ذات صلة