اتِّفاقات “إبراهام”..ومآلات حرب “إسرائيل-إيران”..




حينَ طرح الرئيس الامريكي ترامب قبل شهور من نهاية ولايته الأولى وخروجه من البيت الأبيض مشروع “اتفاقات ابراهام”، لتكون مفتاح بقاء اسرائيل وسيطرتها على منطقة الشرق الأوسط ، وهو ما يسميها خطة السلام في المنطقة وصدرت باتفاق وتخطيط بينه وبين رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو آنذاك ، كان التمهيد لهذه الاتفاقية حينها يتمثل مقدما بإلغاء ترامب الاتفاق النووي عام 2018، والذي كان قد وُقِع مع ايران عام 2015 ، ومن ثم البدء بتمكين إسرائيل لتوقيع هذه الاتفاقية مع دول عربية لعزل التأثير الايراني في المنطقة والرد على التوجهات الاسلامية لدى ايران والدول العربية الأخرى .

لكن اتفاقات ابراهام خرجت من المشهد مع خروج ترامب من البيت الابيض عام 2020، لتتحول بعدها هذه الاتفاقات الى مجرد حبر على ورق ، وبينما عاد ترامب الى البيت الابيض وجد ان العودة لهذه الاتفاقية يجب ان يتمثل في محاربة الوعي الاسلامي وإضعافه ولو تطلب ذلك منهج الحرب لتعود اتفاقات ابراهام الى الواجهة ، وفي دورة ترامب الثانية في البيت الابيض مع بداية عام 2025 ، لم يكن قد عاد لطرح هذا المشروع بقوة كالسابق ، بل اراد ان يمهد له بحرب تمنح اسرائيل الفرصة والقوة لتحقيق حلم الابراهامية الجديدة ليكون مفتاح قبول اسرائيل في الشرق الاوسط الذي وصفه نتنياهو في الأمم المتحدة بتخطيط على خارطة الشرق الاوسط الذي اسماه الجديد .
ويبدو ان حلم الابراهامية ما زال راسخا في عقل نتنياهو وترامب وان الفرصة مواتية لتحقيقه طالما يتحكم الاثنان في رئاسة امريكا وإسرائيل ، بعد ان اثارت هذه الاتفاقية جدلاً واسعاً حينها في الأوساط السياسية والثقافية والدينية الاسلامية والعربية، ففي حين راها البعض فرصة لتعزيز الاستقرار والتعاون الاقتصادي في المنطقة، يعُدُّها آخرون مناقضة للمواقف التاريخية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وتطبيعاً غير مشروط مع إسرائيل.

وربما كان اعتقاد ترامب ونتنياهو يتلخص في ان حصول ايران على قدرات نووية كبيرة وبرامج تطوير للصواريخ البالستية هو الخطر الاكبر الذي يواجه هذه الاتفاقات ، خاصة بعد استهداف حزب الله اللبناني بقسوة وتدمير غزة والتمدد الصهيوني في سوريا ، ما جعل الفرصة مناسبة لإعادة طرح المشروع ، لكن العائق الوحيد الذي يقف امامه هو قدرات ايران النووية والصاروخية التي ربما تحبط المشروع ثانية ولا يستطيع اي رئيس امريكي في المستقبل او اي رئيس حكومة اسرائيلي من العودة اليه او حتى ترويجه .
وربما كانت الخطوة الاولى هي اجبار ايران عبر المفاوضات التخلي عن قدراتها التسليحية ، ولكن بعد رفض ايران التخلي عن التخصيب ولو حتى ببرنامج سلمي ، او التخلي عن صواريخها ، فليس من الممكن العودة لمشروع الاتفاقات الابراهامية ، بل سيمضي الوقت الى قبر هذا المشروع وللابد .

كان العدوان الاسرائيلي على ايران وحلم الانتصار فيه كما وصفه نتنياهو بالحلم الوجودي ، لأنّ هذه الاتفاقات وحدها هي التي ستمنح اسرائيل سرّ البقاء والوجود ، وهذا ما يتلخص في تكرار نتنياهو لتصريحات انهاء ايران عسكريا او نظاما قائما ، فالحقيقة لا اتفاقات ابراهامية ولا بقاء لإسرائيل امام وعي اسلامي وعربي يمتد تاريخيا، يحلم بإنهاء الوجود الصهيوني في المنطقة ، ويستمد جذوره من عمق ديني واصرار على انهاء مأساة شعب فلسطيني يحلم بالعودة الى ارضه المغتصبة .
ويبدو ان التأييد الدولي الاسلامي والعربي ومن دول كبرى لحق ايران في الرد على العدوان الاسرائيلي والدعوات الى انهاء الحرب والعودة للمفاوضات هو اكثر ما يحرج ترامب ونتنياهو ويهدد بإفشال مشروع الاتفاقات الابراهامية الذي صنعه الاثنان معا ، ولكنه ظل متعثرا محتضرا .
