تحقيق

إتفاقية الجزائر آذار 1975..وقائع في الكواليس!!

    منذ تأسيس الدولة العراقية مطلع عشرينات القرن الماضي ، لم تشهد العلاقات العراقية الإيرانية استقراراً وتحسناً. تلك هي السمة العامة لهذه العلاقات. ولكن بعد 17 تموز 1968، وتحديداً منذ عام 1969، شهدت العلاقات العراقية الايرانية تأزماً خطيراً. وتبادل النظامان في البلدين الجارين، الاتهامات، وشنت حملات اعلامية متبادلة. ولعب الاعلام دوره في التأجيج والتصعيد.

    ومطلع عام 1975، قررت جامعة البصرة إقامة ندوة في مقرها بمنطقة التنومة حول (الاطماع الايرانية في العراق). ومن جريدة الثورة تمت تسميتنا (المهندس الكاتب هاني وهيب النداوي وانا) لإلقاء محاضرة في تلك الندوة 6 آذار  1975 تهيأنا (الزميل هاني النداوي وانا) لتلك الندوة. حضّرنا الوثائق التي تؤكد اطماع الشاه في العراق والخليج. ولم نكن ندري أن مباحثات سرية، تجري بين النظامين، بوساطة جزائرية. وقد افضت تلك المباحثات الى توقيع (اتفاقية الجزائر) في (6/ اذار/ 1975).

    وحقق النظامان مكاسب عديدة من هذه الاتفاقية، الا ان نظام الشاه حصل على مكاسب اوسع وافضل. كان نظام الشاه يستخف بالنظام العراقي وبالقيادة العراقية، لذلك حرصت هذه القيادة على تحقيق التعامل المتكافئ والاحترام المتبادل اثناء المباحثات والتوقيع على الاتفاقية. وقع الاتفاقية عن العراق: نائب الرئيس العراقي ، في حينها ، صدام حسين، فيما وقعها عن ايران: الشاه نفسه. كانت المناسبة التي عقدت فيها هذه الاتفاقية، هي: قمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) التي عقدت في الجزائر مطلع آذار 1975.

    الخطوات المحسوبة

   وفي لقاء اعلامي موسع عقد عقب توقيع الاتفاقية، وكنت من الذين حضروا اللقاء، تحدث نائب الرئيس العراقي عن بعض الوقائع التي سبقت ورافقت التوقيع. وكما اشرنا قبل قليل، فان هاجس القيادة العراقية كان تحقيق التعامل المتكافئ بين طرفي الاتفاقية. وكان (الاخراج) العلني لوقائع توقيع الاتفاق كالتالي: وقعت الاتفاقية ليلاً. وصباح اليوم التالي كان هناك اجتماع لقمة دول الاوبك ترأسه الرئيس الجزائري هواري بومدين. ومن المنصة اعلن بومدين خبر توقيع الاتفاق بين النظامين: العراقي والايراني. ويبدو ان هناك اتفاقاً مسبقاً على هذا الاعلان، وان يقوم الطرفان المتعاقدان بالمصافحة امام الحاضرين. وهو ما تم.

    عن هذه الاجراءات، قال نائب الرئيس العراقي في الاجتماع الاعلامي الموسع، ما مضمونه وربما نصه: (بعد اعلان الرئيس الجزائري عن توقيع الاتفاقية، دعانا للقاء العلني ومصافحة بعضنا. كنت اراقب تصرفات الشاه جيداً. لم انهض من مكاني الا عندما نهض الشاه من مكانه .وتوجهنا نحو بعضنا. كنت اعد خطوات الشاه وهو يتجه نحوي. حرصت بكل دقة على الا تزيد خطواتي وانا اتجه نحوه، على عدد خطواته وهو يتجه نحوي. وفي منتصف المسافة بيننا التقينا وتصافحنا.

          المحاضرة.. المصيبة

   وبعد ابرام الاتفاقية توقفت الحملات الاعلامية. ولكن لم تلغ جامعة البصرة ندوتها. وهكذا سافرنا: انا والنداوي الى البصرة، وكان فشلنا فيما كلفنا به شبه مؤكد .حاولت الاتصال بالجهة التي كلفتنا لصرف النظر عن الندوة، لأن (الامور) تغيرت، او تسمية محاضرين جدد، فلم اجد تفهماً او اذناً صاغية.

    لقد دار مؤشر الاحداث (180) درجة، فكيف وبماذا سنتحدث؟. وامام أمر ملزم سافرنا، وعقدت الندوة. وبانت تباشير الفشل. فقد كنا معبئين ضد اطماع الشاه. والاتفاقية وما رافقها وما تلاها، تضع خطاً احمر ضد انتقاد اي طرف للاخر اعلامياً. ولم نكن (زميلي وانا) متحمسين لأداء دور صعب يتمثل بالحديث عن (امور مضت) واخرى استجدت. وعندما لا يتفاعل المحاضر مع موضوع محاضرته، فانه لا يبدع، ان لم نقل: انه يفشل. واتحدث عن قناعاتي فقط.

     الحصيلة: استطلاع صحفي

   وتفاقمت نذر الصعوبة، حين ارتكبنا خطأً تنظيمياً ،بأن سمحنا بتقديم الاسئلة مكتوبة. معنى ذلك اننا لا نعرف من هو السائل. وهكذا جاءت بعض الاسئلة والمداخلات انتقادية بشكل حاد للنظام ، لجهة توقيعه على اتفاقية الجزائر، بل كانت بعض المداخلات المكتوبة والخالية من الاسم، شتائمية.

   عدنا من البصرة بنتيجة معروفة مسبقاً. لكن زملاءنا في شركة نفط البصرة، وفي مقدمتهم المهندس نعمان النداوي نظموا لنا جولة في الحقول النفطية شمالي البصرة. وهكذا عدت باستطلاع صحفي، نشر في جريدة الثورة تحت عنوان: كنت في البصرة. الا تكفي هذه الحصيلة؟!.

مقالات ذات صلة