مقابلات

أ.عكاب سالم الطاهر لـ”برقية”: رشّحني طارق عزيز مديراً عاماً..وانتقلت من “بائع حكومي” إلى خلفٍ للعلوي!   

     عندما أذكرُ الأستاذ عكاب سالم الطاهر، لابدَّ أنْ يخطر ببالي أولاً: “الكِتاب” لانشغال الصديق العزيز “أبي شاهين”، بتوزيعه حكومياً يوم كان مديراً عاماً، وثانياً: أذكرُ أستاذنا الكبير “حميد المطبعي”، لأننا أواخر الثمانينيات، كنّا نلتقي في بيت أحديهما، بوجود صديقيّ الدكتور هاني عاشور، والدكتور أحمد عبد المجيد، وأحياناً الأستاذ محيي الدين اسماعيل. يومها كنّا ننتظر بلهفة إقدام حميد المطبعي على “شقّ دشداشته” في غضبةٍ غِرّيةٍ لها ما لها من معنى التمرّد، والرفض، وعِشق الحرية، أما ثالثُ ما أذكرهُ فهو   العلّامة “الشيخ جلال الحنفي”، فهو وأبو شاهين “مشّاءانِ” يندرُ أنْ يستعينا بمركبة في تنقلهما!.

      ولــ”أبي شاهين”، أسلوبٌ كتابيٌّ يتّسق مع “لطفِ لسانهِ وسلوكهِ” فهو  يعرضُ أفكارَهُ، بيُسْرٍ وبلغةٍ صحافيةٍ منسابةٍ. لا يكلّف نفسَهُ فيها تقعّراً، ولا فذلكةً..وفي العموم فهو كاتبٌ مقروءُ العبارةِ، ميسورُ المفردات الموحية. ولقد انتابني إحساس بأنني، فاجأتُهُ بستةِ أسئلةِ المقابلة هاتِهِ التي تقرؤونها الآن، ذلك لأنه في البدء “أنذرني” أنّه صار يكتبُ، ويكتبُ، ويكتبُ في ردودِهِ  المسترسلةِ، مؤكداً لي عبر الواتصب، أنّها يمكن أنْ تتعدى الحدودَ، مساحةً ومكاشفةً، فأخبرتُه، أنني يمكن أنْ أنشرها على حلقات، مهما استطالت، لكنّه عادَ، ليقولَ لي: “لا أريد أنْ أكشفَ كل ما عندي، فثمةَ محاذيرٌ”!. قلتُ له: على راحتك، فكانَ أنْ “وضع آخر الأسئلة، (كيف تعرِّف العباراتِ التالية: العمامة الحمراء، “ثقافة المنابر- ثقافة الموت” سوق مريدي، نهضة إقليم كردستان؟)، في خانة الترك” بحسب تعبيره!.   

   وعمد أيضاً إلى الاختصار الشديد في إجابته عن سؤالين آخرين. وأنا إذْ أنظرُ باحترام الى تاريخ حافل عاشه “أبو شاهين”، سياسياً، وثقافياً، وصحافياً، وإدارياً، وناشراً كُتُبيّاً، أنظرُ إليه بإعجاب شديد، وهو في الثانية والثمانين “أتمَّ الله عليه نعمة العافية”، يسعى ثقافياً، يكتبُ، ويتابع كتاباتهِ بشغفٍ، ويسافر ناشراً للكتاب من محافظة إلى أخرى ومن دولة إلى دولة، لا يكْسُلُ، ولا يطلبُ الدعةَ، ولا يرضى لساقيهِ أنْ تسكُنا عن الجدِّ والاجتهادِ، والسعي في مناكبها، تأكيداً لكينونته، واستجابة لطاقته الإيجابية التي تُسعد محبّيه، وتُضجِرُ من هم بعمره، لكنّهم استسلموا قبل الأوان لشيخوختهم، وخذلانِ إراداتهم، فأراحوا، ولم يستريحوا!.  

      أكتفي بهذا التقديم، لأدعكم مع أسئلتي، تليها تفاصيل إجابات الأستاذ عكاب سالم الطاهر، التي تتسم بالوضوح والإثارة:   

   **”برقية”: قادتك السياسة والهندسة الى مسؤولية إدارة (دار الثورة) للطباعة بقرار من أحمد حسن البكر. بأية رؤية اختاروك، وبأية رؤية شغلت الوظيفة؟  

  ــــــــــــــــــــــــ أ. عكاب: نعم ، قادتني السياسة والهندسة إلى مسؤولية دار الثورة للصحافة والنشر ( التي تصدر عنها جريدة الثورة اليومية. وإصدارات أخرى ..مجلة النفط والتنمية مثلاً (..الرئيس احمد حسن البكر وقع مرسوم تعييني). لكنه لم يكن صاحب القرار.

الذي رشحني لمنصب المدير العام لدار الثورة للصحافة والنشر هو رئيس تحرير جريدة الثورة، طارق عزيز. اقترن الترشيح بموافقة مكتب الثقافة والإعلام القومي. ورفع المقترح / القرار إلى رئاسة الجمهورية. حيث صدر المرسوم الجمهوري عام 1975. كنت اشغل هذه المسؤولية بتكليف من رئيس التحرير، قبل صدور المرسوم. اقدر أن قيادة القطاع الإعلامي اختارتني لما أحمله من مؤهلات. وشغلتُ الوظيفة كي أطبق ما تلقيته من دراسة أكاديمية.

   مسؤولياتي العائلية نتجت عنها حاجة ملحة. كانت فرصة متاحة امامي للحصول على وظيفة تتوافق مع تحصيلي الهندسي وإمكاناتي الصحفية. وتلبي حاجتي.

   **”برقية”: صار توجهك بعد ذلك نحو الصحافة فتسلمت منصب مدير عام شركة التوزيع ثم رئيس تحرير مجلة الف باء؟ كيف تنظر الآن لمنجزك الثقافي صحافياً؟

   ــــــــــــــــــــــــ أ.عكاب: صحح صيغة السؤال.. منذ البداية كان توجهي صحفياً. وتسلمي مسؤولية مدير عام شركة التوزيع ( اسمها الرسمي.. الدار الوطنية للنشر والتوزيع والاعلان )، أبعدني عن العمل الكتابي الصحفي الميداني. بوضوح أصبحت بائعاً حكومياً للمطبوعات داخل العراق وخارجه. وقبل أن اتسلم رئاسة تحرير مجلة الف باء ، بعد مغادرة الصحفي حسن العلوي لها ، استدعاني طارق عزيز إلى مكتبه. كنت في نهاية السنة الثانية من عملي في الدار الوطنية. وفي اللقاء بادر طارق عزيز للقول نصاً أو مضموناً: انت مهندس وصحفي. لذلك يكون التعامل الصحيح معك .. أما كمهندس ، وهذا يوصل إلى أن تتسلم مسؤولية دائرة هندسية. وأما كصحفي وهذا يوصل إلى أن تتسلم مسؤولية جهة صحفية. هذا هو الصحيح. يضيف الاعلامي طارق عزيز : أما هذه (شغلة شراء وبيع وتوزيع الكتب) ، فإنها لا تدخل في أي من المؤهلين.

وقال ما نصه باللهجة العراقية: إشلون رهمت هاي الشغلة؟. أي كيف حصلت ؟. بعد نقاش لم يطل ، القى كرة قوية في مرماي (لا أدري تعدادها :الثالثة او الرابعة ) ، حين قال: تصبح رئيساً لتحرير مجلة الف باء. كانت رئاسة تحرير هذه المجلة قد شغرت منذ غادرها الصحفي حسن العلوي في صيف عام 1979. كان العرض مفاجئاً. لكنه كان ملبياً لجانب كبير من طموحاتي الصحفية.

ومسؤولية الدار الوطنية أتعبتني. واصلت علاقتي مع معظم رؤساء تحرير الصحف اليومية خاصة ، إلى حالة من التأزم ، وربما القطيعة . كان جوابي الموافقة. وليس بامكاني الرفض حتى لو أردت. هذه وجهة نظر توضح أن موقع  الإدارة العامة للدار الوطنية ليس موقعاً صحفياً مباشراً. عموماً: وبغض النظر عن تفاصيل عديدة ، أنظر بعين الرضا لما سميتَه، منجزي الثقافي الصحفي

    **”برقية”: هل أنت مع الرأي القائل إن الثقافة قادرة على التصدي لتحديات الحياة عندما تفشل السياسة في إدارتها بنسبة معقولة من العدل والمساواة والنزاهة؟

   ـــــــــــــــــــــــــ أ.عكاب: سواء نجحت السياسة أو فشلت ، في مواجهة تحديات الحياة ، فإن الثقافة سلاح أساسي في مواجهة تلك التحديات .

  **”برقية”: هل تعتقد أن الاحتلال  الأجنبي وتغلغل دول الجوار ، بات يشكل عبئاً على الهوية الوطنية للعراقيين؟

   ـــــــــــــــــــــــــ أ. عكاب: نعم .. التدخل الأجنبي عامة ، والاحتلال خاصة ، شكل عبئاً على الهوية الوطنية العراقية. والحق ضرراً بليغاً بها.

   **”برقية”: أنت منذ سنين تعمل في شؤون الكتاب ونشره. هل هناك أنواع من الإبداع الكتابي لها رواج يحقق ربحاً لمؤلفه أم أن الكساد التسويقي يشمل الجميع.. ولماذا برأيك؟

   ــــــــــــــــــــــــــ أ. عكاب: موزعو الكتاب ، اللبنانيون خاصة: يتداولون المقولة التالية: (من يوزع الكتاب لابد أن يكون لديه: مال قارون ، وصبر أيوب ، وعُمْرُ سيدنا نوح). هذه الصفات الثلاث الصعبة جداً ، ان لم اقل المستحيلة ، توضح اي بضاعة صعبة تلك التي يسمونها الكتاب ، نقوم بنشرها. منذ أكثر من عقدين ، اتواجد في ساحة تأليف وطبع وتوزيع الكتاب ، من خلال مكتبتنا.. مكتبة الدار العربية للعلوم _ بغداد. اصدرتُ خمسة عشر كتاباً. واصدرت مكتبتنا 86 كتاباً. وتشترك  في معارض سنوية داخل العراق. مثل معرض بغداد الدولي للكتاب . ومعرض النجف الأشرف الدولي

للكتاب. ومعرض كربلاء الدولي للكتاب. الكساد الذي اشرتم إليه ، وصف مبالغ به. لكن الكتب التي لها رواج ، هي كتب المذكرات. والكتب القريبة من مضمون المناهج. والكتب ذات الصلة ، بشكل أو بآخر ، بالرسائل الجامعية. الكتب التاريخية عليها طلب. نحن راضون عن تواجدنا في الساحة الثقافية. وخاصة طبع وتوزيع الكتاب.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سيرة موجزة..عكاب سالم الطاهر :

 *ولد عام 1942 ، في ريف گرمة بني سعيد ، في قضاء سوق الشيوخ ، محافظة ذي قار ..العراق.

*اكمل الدراسة الابتدائية في مدرسة الگرمة عام  1955.

*اكمل الدراسة المتوسطة في متوسطة سوق الشيوخ

عام 1959.

*اكمل الدراسة الثانوية في اعدادية الناصرية عام 1961. واكمل الدراسة الجامعية في كلية الهندس- جامعة بغداد عام 1971.

*شغل العديد من الوظائف الادارية والهندسية والصحفية، منها: 

-مدير عام دار الثورة للصحافة والنشر / جريدةالثورة ، عام 1975.

مدير عام الدار الوطنية للنشر والتوزيع والاعلان عام 1979 .

-رئيس تحرير مجلة (الف باء) عام 1981.

عضو نقابة المهندسين العراقيين ، ونقابة الصحفيين العراقيين ، والاتحاد العام للكتاب والادباء العراقيين ، واتحاد الصحفيين العرب.

-صدر له 15 كتاباً في حقول معرفية متنوعة.

اخرها كتاب :قناديل الذاكرة.

مقالات ذات صلة