أ.زيد الحلي لـ”برقية”: أكثرُ الانتشار “اندثار”..وغولُ “المواقع الإلكترونية” يهدّد الصحافة العربية!!
أجرى المقابلة: صباح اللامي
لا يَهربُ من أيّةِ مواجهة، لكنّهُ يَرجِعُ خطوةً إلى الوراء، كيْ يُجنّد أدواتِه قبيل المنازلة، وفي لحظة “الإشتباك”، يرتدي الزميل الأستاذ زيد الحلي، قفازاتِه الحريرية، متأنّقاً، متأبّطاً خيراً، ثمَّ مطلقاً من قلبِه ابتسامةً موحية بالدفء، والألفة..بعدها يستدرجُ “مأرَبهُ” الصحافي المُخطط له مسبّقاً، إلى حيث أحبولة “القفشة” لا “القشّة” التي تقصم ظهر بعير الخبر، أو المقال، أو المقابلة، أو “العمود الصحافي” الذي صار بصمةَ كتاباتِه في “الزمان” وفي “الصباح” اليوميتين!. أردّتُ –وأنا الذي يعرُفُ شيئاً عن فنّ الرسم- أنْ لا أقدّم زميلي، وصديقي العزيز، بل وأستاذي في الصحافة، بتمهيد “تقليدي”، ذلك أنّ روحيته التائقة إلى كل جديد، ومثابرته العجيبة في اقتفاءِ أثرِ تطلعاتِه الصحافية، وأيضاً “الطاقة الإيجابية” التي تنطوي عليها حناياه، تحيلنا إلى سجّل مهنيّ زاخر بانجازاتٍ على مستويي العراق والعرب، حتى ليُخيّل إليَّ أنّ زميلنا “زيداً” الذي التقى زعماءَ سياسيين كباراً كعرفات، وفنّانين كباراً كنادية لطفي، وكتّاباً كباراً كنجيب محفوظ، لم يدعْ “سانحة ما” تمرُّ، بذهنه، إلا واغتنمها، ليطفئ بها جمرةً من جَمَراتِ غليانِ حسّ “الفضول الصحافي” الذي هو أوّل شروط القدرة على الإبداع في “مهنة المتاعب” !.
خيطُ الحديث لا ينتهي عن مجاهداتِ “فرسان الكلمة”، لكنْ لابدّ الآن من ترك القارئ يأنَسُ، بما في مقابلة “برقية” من أسئلة، وما في إجابات نجمنا الصحافي من كشفٍ، وتأمّلاتٍ، وتحذيرات:
**”برقية”: برأيك ما هي أهم “التحدّيات” في حياتنا الصحافية على مستوى العراق؟.
ـــــــــــــــ أ.زيد: التحدّيات المسكوت عنها ، ولا يمكن البوحُ بها بسبب الظروف المعروفة؛ اكثر بكثير من تلكَ التي يمكن الحديث عنها ..لكنْ يمكن القول إنّ الاستقطاب السياسي الذي يترجمه الانقسام بين من يؤيد الحكومة ومن يعارضها ، وبين من يدعو الى هذا الحزب وبين من يشكك فيه، بات يشكل صعوبة في إيجاد أرضية مشتركة بين الصحفي ومحيط عمله؛ ما يمنع كشف الحقائق، أو متابعة تفاصيلها، وسرد القصص الكاملة للمتلقي..
أيضا يقف التمويل عقبة كأداء في المسيرة الصحفية ، فغالباً ما تكافح الصحف من أجل تأمين التمويل والموارد الكافية ، وهذا الأمر اذا لم يتحقق ، فمن الصعب إنتاج صحافة عالية الجودة في التحرير والاخراج والطباعة المثلى. والتحدي الاكبر في رأيي ، ولاسيما في الظرف الراهن هو الافتقار إلى الاحترافية والتدريب والانقياد السياسي المسبق ، وقد أفضى كلُّ ذلك إلى نشر غسيل
“تقارير إعلامية” غير دقيقة وعديمة المصداقية.
**”برقية: هل تتوقع إمكانية خلقِ مناخٍ صحافيّ جديدٍ في العراق؟
ــــــــــــــ أ. زيد: في ضوء إجابتي السابقة ، تعرفُ أنّ ذلك التوقّع يبقى حُلُماً عصيّاً على التحقيق ، فضمن المسار الذي نراه الآن ، أجدُ أنّ السيناريوهات المختلفة للتوقع في سؤالك ، تتجه الى نتيجة واحدة ؛ هي خيبة أملٍ تهزمُ كل التوقعات، وروح تقاذفها هُوجُ رياح الأمنيات الضائعة.. وهذا المآلُ يجعلني لا أملك جرأة التحدّث عن سيناريوهات هذه الخيبة، أو الكلام عليها ، فهي تشبه غيمة حزنٍ “موحشة” للغاية، آمل أن تمر بسلام !
** أراضٍ أنتَ عن الصحافة العربية أم لك مؤشراتٌ تُدينها؟.
ـــــــــــــــ أ.زيد: دائماً ما أسأل نفسي ؟ هل رؤيتي سوداء لفضاء الصحافة العربية الحالي ، كوني من جيل تربى على صحافة رصينة ، كان الحرف فيها ، مثل رصاصةٍ في قوة انطلاقها ، ودقة إصابتها ، كونُ ناشرها حاذقاً في رؤاه .. فأجيب عن تساؤلي، منطلقاً من انتباهةِ قارئ معاصر، وليس من رؤية صحفي قديم ؛ بالقول إنّ الصحافة العربية ، تواجه مشكلة كبيرة في سيرورتها الآنية ، يمثلها الغول المسمى ( المواقع الإلكترونية) وأيضاً عدم ضمان صِدقية المحتوى الذي يُنشر فيها ولا مصداقيته، نظراً للانتشار الواسع للأخبار المزيفة والتضليلية ، وهذا يتطلب منها تحقيق المزيد من الدقة والموضوعية في الأخبار والموضوعات، لكي لا تُبثُّ جزافاً، بهدف الانتشار، فتهوي إلى “الاندثار”!… ولذلك، بقيت الصحافة للأسف عاجزة عن تحقيق ما تصبو إليه!
** “برقية”: ما أهم صحيفة في العراق، والوطن العربي، تحرص على قراءتها؟ ولماذا؟.
ــــــــــــــ أ.زيد: (هههههه) سؤال فيه إحراج ، فأنت تعرف أنني أكتب حالياً في صحيفتين هما الأشهر في العراق “الزمان” و “الصباح” فإذا ذكرتهما ، ربما أتّهم بالنفاق الاجتماعي .. أما الصحيفة العربية التي اهتم بمتابعتها ، وقراءة موضوعاتها فهي عدة صحف منها ” النهار”، ” الأهرام ” و” الشرق الاوسط ” وأهم سبب لمتابعتي هي وجود كتاب يتمتعون بآفاقٍ رحبةِ التناولِ وبالموضوعية .
** “برقية”: هل ينشأ جيلٌ صحافيٌّ يمكن الوثوق به لبناء مستقبل أفضل، وما هي مؤشرات هذه النشأة؟.
ـــــــــــــــ إ.زيد: يحتضن عالم الصحافة طيفاً واسعاً من الأجيال، يمتد من بدء أول صحيفة في العالم ؛ إلى يومنا الراهن ، ويمكن للراصد أن يلاحظ الاجيال التي تركت بصماتِها الشمولية في حياتنا بطرق شتّى، إبداعاً وقدرةً على العطاء .
ولاشك في أنّ الأجيال الجديدة ترنو الى تطوير الاعلام بمنظورها الشبابي ، ربما لدينا ملاحظات عليهم ، لكن الحياة في تطور دائم ، فهم سيشكلون ويؤثرون في محيط الصحافة في قادم السنين ؛ وفق وجهات نظرهم وقيمهم ومعتقداتهم وخبراتهم ، والأكيد ستَنتج عن ذلك أفكار جديدة ، أظنها تتمثل فقط بالإعلام الرقمي؛ اذ سيكون هو السمة البارزة لواجهة الجيل الجديد ،وهذا الاعلام في رأيي ابعدنا عن رصد مجريات الواقع بشكل صحيح، وأصبحنا نتعامل مع عناوين مبتسرة للأخبار والتقارير، وإذا استمرَّت الحالُ على هذا المنوال، سنظل نستقبل كل رافدٍ تقنيّ دون اعتبار لجوانبه السلبية، ودون الاستفادة من إيجابياته، وحصرها على جوانب التواصل الاجتماعي والثقافة الشعبوية ، وبذلك نخسر الخيط والعصفور!
** “برقية”: هل أنت راضٍ بما “نلتُه” من “عطاء الصحافة” المادّي والاعتباري، أم أفضى السعي إلى “أسف”؟!
ــــــــــــــ إ. زبد: أنْ ترضى عن نفسك ، فهذا أمرٌ غير ممكن .. فأنا حين أرى الإيجابيات ؛ لا اغفل السلبيات ، فأسعى الى تجاوزها ، وأحسبُ أنّ الحزن على ما فات أو إنكاره لن يغير شيئا، بينما التفاؤل والرضا يخلقان جواً من البهجة والسعادة والأمل ..والإحساس بالرضا يجعلنا ننظر إلى ما نملكه، وليس إلى ما يملكه الآخرون، وبالتالي نصل إلى حالة من التصالح والتوافق مع كل ما يحيط بنا، سواءٌ أكانوا، أشخاصا أم أشياءَ..
وأظنك تعرف مسيرتي الشخصية والمهنية ، وما شابها من نجاحات وإخفاقات ، وترحيب من البعض ، والطعن من البعض الآخر ، فانت زميل شبابي وكهولتي .. وكم سعدت بهذه الزمالة البيضاء .. واتشرف بك دوماً.
قدمت لي الصحافة الشيء الكثير ، وقدمت لها ما استطعت .. لن اقول (آسف) فالأسف بعد فوات الأوان ، موت بطيء .. الحمد لله على كل شيء .