مقابلات

أ.د. أحمد عبد المجيد لـ”برقية”: فكَّكْتُ لأجيالٍ من إعلاميّي المستقبل بعضَ “أسرار المهنة”!

                    أجرى المقابلة: صباح اللامي

    للزميل، الكاتب، الصحافي، أ.د. أحمد عبد المجيد، ديمومةٌ في “ثلاثة مسارات”، ، فهو اجتماعياً على ما أعرفُ “امرؤٌ بلا خصوم” تقريباً، وهو مهنياً، ذو دأبٍ، ومثابرةٍ، يُغبطُ عليهما، أداءً، وحضوراً صحافياً رفيع المستوى، ثم أنّه أكاديمياً، عَلَّمَ، وتابعَ، واجتهدَ، وحقّق في مضماره هذا “مُنجزاً تأليفياً” له مرتبة التقدير في ما أصدرَ من كتبٍ.

    وذِكرُ الصديق العزيز “أبي رنا” لابدَّ أنْ يُحيلنا إلى ذِكرِ  أستاذنا الحبيب “أبي الطيّب”، سعد البزاز، فصُحبتهما ذاتُ ديمومةٍ “تطخُّ” سقف النصف قرن، فَدّقوا على الخشب، والحديد، والألمنيوم، وحتى على الفولاذ!.

    إنّ “دبلوماسيةَ” أو “مُسالمَة” صديقنا الأستاذ أحمد، لا تعني أنّه يتركُ “الحبلَ على الغارب” لِمنْ يُعرّضهُ لأيّ اختبار “مناجزة”، فردُّهُ، وإنْ كانَ “ناعماً” إلا أنّه ردُّ “الأسطه” العارفِ بحرفة الكلام، والكتابة، واحياناً “الابتسامة” التي تأخذُكَ إلى تأويلاتٍ شتّى!. أقول: هذه “الحِنكة”، لا يؤتاها المرءُ إلا بتدريب النفس على “الكبحِ”، وكفِّ اللسان عَن “عُجالته”، وترْك “رسالة الغفران”، تعلّمُ الآخر سِحرَ المجاملة البانية، القادرة على تحويل بؤسِ الخلاف إلى بهجةِ الألفة..  

        قلتُ ما بقلبي، ويسرُّني أنْ أشكرَ الزميل “أبا رنا” على عنايته بجدّية الإجابات الوافية على أسئلتي، وبما هيأ للمقابلة من “إكسسوارات”، تُلقي مزيداً من الضوء على المحتوى الثقافي الذي نحرص على إيصالهِ للقارئ، وإليكم نصّ المقابلة:    

 **“برقية”: ماذا أخسرتك الصحافة ؟ وماذا أكسبتك الدَكْتَرة ؟ وفي أيّهما وجدّتَ نفسك وتحسّستَ وجودك الثقافي؟

 ــــــــــــــ د.أحمد: ربما أنا مثل صحفيين كثيرين، دخلتُ عالم الصحافة كالمفلس في القافلة. لا أملك ازاءها شيئاً ولا أطمع بالاستحواذ على مصادر دخلها. وعندما احترفتها لم أصادف صحفياً معي ثرياً، أو ذا مطامع. وهذه ميزة الصحفي الذي يؤدي مسؤوليته المهنية والاخلاقية، وقد يتقاعد حتى دون راتب مُجزٍ. وعمليا لا يطلب الصحفي مثلي، حقاً ليس من نصيبه أو استحقاقه، ولقد عودت نفسي على العمل دون ان انتظر مكرمة أو اعترافاً بالجميل، لكن ما كان يسعدني احياناً شعوري بوجود (مراصد) روحية وانصافية تتابع اداء المبدعين والمتفانين ، وتعترف بمنجزهم وعطائهم، حتى وان كانوا بمنأى عن التفكير أو التوقع. هذا يعيد الى ذهني قولاً مأثوراً لدى محترفي الحياة العسكرية (دع عملك يدل عليك)، واجمالاً فان المهنة الصحفية بمقدار ما تأخذ منك فإنها تمنحك الكثير ومن بين ما تأخذه، الصحة والاستقرار النفسي والمتع الزائلة، لكنها تمنح السعادة الروحية والشهرة والنجومية والقرب من مصادر القرار وفرص التقدم والسفر.أما بالنسبة لما أسميتَه (الدَكْتَرة) فأميل الى وصفه بالدرس الاكاديمي، فهو جناح معرفي آخر حلّقتُ به في فضاء الاعلام. وكنت محظوظاً جداً اني عملت ودربت اجيالاً من اعلاميي المستقبل وفككت لهم بعض اسرار المهنة وحبّبت لهم متاعبها. و طيلة نحو 15 عاماً من الوظيفة الاكاديمية في كلية الاعلام بجامعة بغداد، وحالياً في معهد العلمين للدراسات العليا بالنجف، كسبت اصدقاء وشيدت أسس صروح، غالباً ما أصادفها اليوم، في المؤسسات الاعلامية والجامعية وأشعر بزهو خاص لانها احتلت مواقعها بالمثابرة والاجتهاد.     واقول الحق إنَّ لهذه المهنة، أسوة بالمهن العلمية الشاقة، طعماً كالشهد، اذا ما قيس بالمُخرجَات، فقد اشرفت على عشرات طلبة الماجستير والدكتوراه وشاركت بالعديد من المؤتمرات العلمية الرصينة ونشرت عدداً لا يُستهان به من البحوث والدراسات في المجلات العلمية المحكمة ، ولم ألتفت يوماً الى تحدياتها وتهديداتها، مثلما لم ألتفتْ يوماً الى تحديات عملي في الصحافة ، وغالباً ما أراها تجارب ثرّة تغني مسيرتي وتساعدني على اجتياز صعوبات أخرى تنتظرني، طالما أنا اتنفس.

**”برقية”: كيف تصف لنا أكثرَ من عشرين سنة رئيساً لتحرير جريدة (الزمان) – طبعة العراق؟ هل كانت مثمرة صحفياً، مادياً؟ ام في صعيد العلاقات والحضور ام كل ذلك؟ فلسف لنا هذا الإثمار؟

  ـــــــــــــــ د. أحمد: (الزمان) تجربة اكثر من ثرّة او مثمرة بالنسبة لي، وقد اصبحت بيتي الثاني، والمكان الأكثر سعادةً واثباتاً لشخصيتي، والعاملون فيها هم اسرتي، بينهم ابناء وإخوة وأخوات، واليهم يعود الفضل في استمرار صدور الجريدة وتميزها، نحن نتقاسم النجاحات التي تحققت بفضل الاستاذ سعد البزاز. فهو صديق واخ متفهم ومحب ومؤازر وداعم لكل مبدع في مؤسسته ، واظن ان هذا الأسلوب الاداري في التعامل يقابله من جانبنا مزيدٌ من الاستعداد للبذل وتحدي الصعوبات والاخلاص في العمل.

ولا شك في انك اذ تقول تجربة مثمرة، فانها ستنطوي على اثمار في مختلف المجالات، بمعنى تحصيل حاصل. ومن الوفاء الاشارة الى ان هذه العشرين عاما التي امضيتها في (الزمان) شهدت جمائل لا تحصى طوق بها صاحب (الزمان) عنقي، ولعل من ابرزها القول ان الحِلْم سيّدُ الاخلاق ولكي تحقق اي شيء عليك ان تمتلك الشجاعة بحسب كيرك دوغلاس، وناكر الجميل اسوأ مخلوق على وجه الأرض ،كما قال مارك توين.

  **”برقية”: تجربتي الشخصية مع الاستاذ سعد البزاز غنية العطاء وبكرمٍ نادر لم اعرفه من غيره، فكيف تفسّر (اغفالية) ان ينال كُتّاب محترفون أجورهم بما تنشره (الزمان) لهم؟

ـــــــــــــــــ د.أحمد: أشاطرك التجربة بغنى العطاء والكرم النادر الذي لم نعرفه في غير الاستاذ سعد البزاز. ويوم صدرت (الزمان) في نيسان 2003 في العراق، بطبعة بغداد والبصرة، كانت مصدر دعمٍ للمثقفين ولاسيما الصحفيين. لقد خصصت ميزانية باذخة لمكافأتهم على ما ينشرونَهُ في الجريدة، وكان الاستاذ سعد ينظر الى الكُتّاب والعاملين في (الزمان) كشركاء وليسوا اجراء. وهي حالة اجرائية غير مسبوقة، لكن ما لم نتشاطر به سوية هو انك كنتَ بمنأى عن تجربة التحدي والتهديد، التي تعرضت لها (الزمان) ومعها الصحف المستقلة، نتيجة الازمة المالية الناجمة عن انهيار اسعار النفط وزحف تنظيم داعش، ثم تحدي الحرب الرابعة التي خضناها، واعني بها جائحة كورونا. لقد املت هذه التحديات علينا سياقات ملجئة، فكنا امام خيارين لا ثالث لهما، الاول ان نتقشف ونتدبّر ونقلص الهياكل، والثاني الغلق اي التوقف عن الصدور، وقد تداولنا ذلك، بكل صراحة مع زملائنا في الجريدة فكان خيارهم هو الاول.

 **”برقية”: لكَ ولي تجربة مشتركة عشناها مع عديدِ الزملاء في جريدة القادسية ونقابة الصحفيين، وأيضاً الاقتراب لسنين من كواليس السلطة، هل كانت حياتنا طبيعية أم استثنائية ام لك وصفٌ آخرُ لها؟

  ــــــــــــــ د.أحمد: اعتز بهذه التجربة وعندما استعيد فرصتنا في خدمة زملاء المهنة عبر العمل النقابي، أشعر بالرضى. كنا نؤدّي واجباً مهنياً بالعمل تحت ظروف شاقة وضيق وضغط ناجم عن الظروف العامة التي مر بها بلدنا، واخلاقيا بالتطوع لتحقيق مطالب زملاء المهنة وتقديم العون اللازم لهم عند الحاجة. بمعنى أنّ حياتنا كانت طبيعية في ظروف استثنائية، واستثنائية لاداء مهمات طبيعية يؤديها الصحفي المخلص لإغناء أحوال المهنة وتطوير اداء العاملين فيها.

  **”برقية”: أبا رنا.. هل أنت راضٍ عن (منجز قلمك) في الصحيفة والكتاب والبحث العلمي أم الثلاثة أكلت من جُرْف بعضها بعضاً، وفي نفسك شيء من الأسف على ذلك؟

  ــــــــــــــ د.أحمد: اختصاراً لم أرضَ يوماً عن منجزي كلِّه. وهذا الرأي يراهُ البعض دافعاً لمزيد من التطور، لكني بحدود الظروف السابقة، كان بالامكان تحقيق معطى افضل، فيما ارى ان مسيرتي بعد نحو 45 عاما من العمل الاعلامي، الصحفي والاكاديمي، حققت بعض النتائج المفيدة، ليس لي حسب بل للمجتمع الذي أعيش معه وفيه. فانا ولَجْت قطاع التأليف للمرة الأولى عام 1987 وكانت نيتي هي تأكيد قدرة الصحفي على ممارسة دور ثقافي وتوثيقي مطلوب وحاسم، ذلك أنّ بعض الوقائع يجري تغييبها وبعضها الاخر تذكر منقوصة أو مزورة، وكنت آمل ان أقول شيئاً مفيداً وربما أقدم نصيحة تمثل محصلة تجربة مهنية حافلة. واستطعت أنْ اضع حداً فاصلاً بين ما يتضمنه المحتوى الصحفي وما يتطلبه الجهد العلمي. وهذا الاخير يحتاج الى مقومات ويخضع الى اشتراطات صارمة .

  **”برقية”: في قلبك عتبٌ، لومٌ، وربما تجريم. فمن برأيك يستحق في اطار علاقاتنا الصحافية قبلاً او في ايامنا هذه، أنْ تعاتبه، تلومَه، انْ لم تذكر الأسماء، اذكر الاسباب بدبلوماسيتك البانية؟

   ـــــــــــــــ د.أحمد: احمد الله انه منحني ذاكرة بيضاء، وليست حائطاً صخريا تتراكم عليه الاسماء التي اساءت او تآمرت او فعلت ما في دواخلها من غِلٍّ. وقد قيل إنَّ كل اناء ينضح بما فيه، كما ان ذاكرتي مشغولة دائما بما هو ينفع، وقد قيل خير الناس من نفع الناس، لكني اتذكر بعض زملائي في المهنة واشفق عليهم الآن. كانوا يظنون ان التسلق والتملق بديل عن الشغف والاجتهاد. لقد اعطتنا مهنة الصحافة دروساً في الحياة منها ما قاله المهاتما غاندي (اني عندما بحثت في وجوه الذين آذوني لم اجد فيهم اعدائي). هؤلاء فقط فوَّتوا علينا فرصاً من العطاء وخدمة الاسرة الصحفية العراقية كان بلدنا احوج ما يكون اليها. وانهي بترداد أغنية ياس خضر ( ولَكْ لو تِسوَه العَتبْ چا عاتبيتك).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   سيرة ذاتية مختصرة   

  أحمد عبد المجيد أمين خليل الخفاجي

•     مواليد كربلاء (العراق) 1952.

•     بكالوريوس لغة عربية وعلوم اسلامية 1973- 1974.

•     ماجستير اعلام – جامعة بغداد 1994.

•     دكتوراه اعلام – جامعة بغداد 2000.

•     اصدر 16 كتابا منذ 1987 اولها (حرب المدن) واخرها تمظهرات الحرب النفسية – من الغزو الامريكي الى التمدد الداعشي في العراق وسوريا 2017 ، وهذا نصيبي من التضامن2020.

•     نشر الاف المقالات والتحقيقات والمقابلات منذ احترافه الصحافة عام 1977.

•     نشر عددا من الدراسات والبحوث في المجلات العلمية المحكمة.

•     رشح لجائزة الصحافة العربية (دبي) بدورتها الثالثة عشرة.

•     عضو المكتب التنفيذي للمنظمة العربية الافريقية للصحف (تونس) 1998.

•     راسل صحفا عربية في لندن وعمان والكويت والرياض والقاهرة.

•     عضو مجلس نقابة الصحفيين منذ 1992 والنائب الاول للنقيب في دورتين لغاية 2000.

•     رئيس تحرير جريدة (الزمان) طبعة العراق منذ نيسان 2003 .

•     منح قلادة الابداع الذهبية من رئيس مجموعة الاعلام المستقل عام 2011 وقلادة الابداع من مركز التطوير الاعلامي في بغداد عام 2016.

•     منح قلادة الإبداع لنقابة المحامين العراقيين- 2021.

•     منح جائزة عيون للمتميزين بنسختها الثانية 2020.

•     استاذ مادة التحرير الصحفي – لطلبة الدراسات الاولية في كلية الأعلام – جامعة بغداد (المقال الصحفي ).

•     استاذ مادة التحقيقات الاستقصائية  والحرب النفسية (دراسات عليا) في كلية الاعلام جامعة بغداد.

•     منح مرتبة الاستاذية (بروفيسور)  في الاعلام من جامعة بغداد منذ 16/ 1/ 2014.

•     تقاعد من الجامعة في 1 تموز 2017 لبلوغه السن القانونية.

•     مدرب في اكاديمية الشرقية للاعلام – أربيل.•     تدريسي في معهد العلمين للدراسات العليا- النجف.

مقالات ذات صلة