أ.حمزة مصطفى لـ”برقية”: أقصى طموحي أنْ أنسى ما أكتبُ..ولو جمعتُه لأصدرتُ 16 كتاباً من “الخَرْطِ التّمام”!!

أجرى المقابلة: صباح اللامي
تُربكني الكتابة عن “أبي عليّ”، الأستاذ حمزة مصطفى، فسعادتُه، بل فخامَتُهُ برأيي إنسانٌ “ذو حضورٍ مُؤنسٌ”، وكاتب معقّدُ التكوين، فهو “أرستقراطيّ الحِسّ، بروليتاري الوجدان” في الوقتِ نفسه!.. لضحكتهِ شأنٌ، وللغتهِ الساخرةِ، فداحةٌ، ولقدراتهِ الثقافية -قبل الصحافية، والإعلامية في التحليل السياسي، وفي أعمدته وكتاباته الرصينة- دسامةٌ مُفرِطة، فهو قِرّيء، بل قرّاءٌ من طِرازٍ استثنائي، ربّما لا يضاهيهِ إلا نجيب محفوظ في مصر، ود. جواد علي في العراق. ولولا “ملالُ” أو “مُلوليّةُ” د. طه جزاع، لقلتُ إنّه “توأمُه” في منحى القراءة، كما هو “توأمُه” في يوميات الحياة، بحسب أبي علي نفسه!.
لا أذكُرُ بالضبط تاريخاً محدّداً لمعرفتي بالصديق العزيز “حمزة مصطفى”، لكنّنا عمِلنا معاً في صحيفة “الراصد” الفُكَيْكيّة، وفي “القادسية” الصحيفة، يومَ كنّا جنرالاتِ “حرْفٍ” لا “حربٍ”، وأيضاً اشتركنا في عمل خاص مع زميلنا العزيز الأستاذ عصام فاهم جواد العامري، الذي كان يوماً ما “في الزمن الأول”، مديراً لمكتب صحيفة كويتية، قبل أنْ يغزوَ “أبو عدي” الكويت في ليلة ظلماءَ، جرّت ما بعدها، لياليَ أشدَّ ظُلمة على ثَقَليْ الإنس والجن!!!.
أقول: لو كنتُ رئيساً للوزراء، لمنحتُ “الكاتب حمزة مصطفى” تفرغاً كاملاً لكتابة عمودٍ يومي ساخر، تنشرُه الصحيفة اليومية التي تصدر عن الدولة، ولخوّلته بالتحدّث على سجيته من دون رقيبٍ، ينتقدُ، ويسخرُ، بل يتهكّمُ بـ”الرايحْ والجايْ” ذلكَ لأنّ للكتابة الساخرة في العراق “تأثيرَ السِّحر”. وكان العراقيون حتى وقت قريب قد أنسوا كثيراً بأعمدة الزميل العزيز الأستاذ داود الفرحان “أبي صفا”، وآيةُ ذلك ما كان قد نشرَهُ من أعمدة تحت عنوان “بين الناس” التي سجّلت حضوراً واسع النطاق في أوساط القراء العراقيين. ولا أريد العودة بتاريخ الكتابة الساخرة إلى جذورها الصحافية العريقة، من “ أبي گاطع” إلى مجلّتيْ الفكاهة، والمتفرّج، وقبل ذلك “حَبزْبوز” الصحيفة التي كان يُصدرها في العراق الملكي، الكاتب الصحافي “نوري ثابت”.
لقد شرّقتُ، وغرّبتُ في تقديمي للأستاذ حمزة، لكنّني في كلِّ ذلك، كُنتُ أشبهَ بمن يرسمُ شتاتَ صورةٍ لهذا الكاتب، المؤثّر، المقروء، الجدير بالاحترام، والذي أستطيع أنْ “أتّهمَه!!” بـغميجِ القراءة، بل “بخبثها” أحياناً!، ودقّة الولوغ في شظايا معلوماتِ قضايا يتحدّث عنها، وأيضاً بسكبِ أفكاره على الورقة، بـ”تقيّة”!!، ولولا “تقيّتُه” تلك، لما استطاعَ كاتبٌ مجاراتُهُ في “جُنونيّاتهِ”!!، لكنّه، العاقلُ، المهندَمُ، ثابتُ القدمِ في “أصوليّته”، يُطلق الجناحَ لآرائه في شاشات إعلامِهِ التحليليّ من دون عَمْلَقةِ ذاتِه، أو من غير غرورٍ، أو “عَنْقَرة”!.
أقول: إنّ كاريزما أبي علي تكمنُ في تواضعه الموزون، وأيضاً في صدقِهِ المقفّى، وفي “قوّة شخصيته” التي تسخرُ أحياناً حتى من السخرية نفسها. دعوني ألقيكم في يمِّ إجابات الأستاذ حمزة مصطفى “المُقحِطة” التي تنمُّ عن شيءٍ من عدم رضاهُ عن أسئلتي، وإنْ لم يسخر من…، أو يصرّح بـ….أو يلمّح لشيء، إلّا قليلا:

**”برقية”: في تنقلاتِك بين الرأي الإعلامي، والعمود الساخر، والتحليل السياسي، ومن قبلُ النقد الثقافي، أين تجد نفسك مهنيّاً برتبة “مُحنّك”؟
ـــــــــــــــــــ أ.حمزة: نعم تنقلتُ بين الرأي والعمود الساخر والنقد الأدبي ولم أجد نفسي حتى الآن في أيٍّ منها. بدأتُ بالنقد الأدبي وكنت أحد ممثلي جيل السبعينات النقدي لكنْ ولأسباب كثيرة ذاتية وموضوعية وجدتُ ان النقد يحتاج تفرغاً وتخصصاً وهو ما لم يتوفر. مازلت احياناً أحنُّ إلى النقد فأكتبُ عن رواية او مجموعة قصصية او ديوان ولكن بين الفينة والفينة. احترفت الصحافة او هكذا أزعم وتنقلت في فنونها المختلفة لكني مازلت أشعر أن ما اكتبه لا يرتقي إلى مستوى طموحي الذي كان. أما الآن فإن أقصى طموحي أنْ انسى ما أكتبُه في اليوم التالي والا لكان عندي الآن ١٦ كتاباً من هذا ” الخرط التمام” الذي هو عبارة عن مقالات تجميع تدفع عليها فلوساً حتى يطبعها لكَ ناشر ما يوصل كتابك لـ”مول المنصور”!.
**”برقية”: عرفتَ “كثيرين” قبل 2003 وبعد تحوّلاتها ، كيف تُعرّف بجدّيتك الساخرة اللافتات التالية: الطائفية، الديمقراطية، الفلوسيّة، والسرسلوغية؟
ــــــــــــــــ أ.حمزة: الطائفية مرضٌ ولكنّه عام. يعني وباء مثل كوفيد ١٩ لكن لم تنجح كل الاديان في التوصل إلى مصْلٍ لهُ. الديمقراطية لعبة لكنها كنظام حكم هي الصيغة الأكثر مقبولية بين أنظمة الحكم. أما الفلوسية غاية ووسيلة معا بينما السرسلوغية فإن النظر اليها يتوقف على فهم معنى أنْ تكون قادراً على فهم نفسك هل أنتَ خوش ولد أم سرسري!.
**”برقية”: هل تعتقد -أبا عليّ- أنّك خسرتَ فرصةَ أن يكون لك (منجزٌ ثقافيّ) وأنّك حَرمْتَ نفسَكَ من لقبِ دكتور، ومن تأليف كتاب؟
ـــــــــــــــــــــ أ.حمزة: بالنسبة للمنجز الثقافي اذا كان المقصود كتاباً مجرّدَ كتابٍ، فكما قلت لك لدي لو اردت ليس اقل من ١٦ كتاباً، “فاگسا”!!. أما لقب دكتور لم أفكّر يوماً بذلك لكني لو تحصلت عليه من خارج سوق مريدي سيكون بمثابة منجز حقيقي لكن فات أوانه...
**”برقية”: ما رأيك بالذين يصفون الماضي القريب بـ(الزمن الجميل) هل هم مصابون بداء الحنين الى الماضي؟ أم يعانون من أزمة التعايش مع قلق مناخاتِ (الزمن الوبيل)؟
ــــــــــــــــــــــ أ.حمزة: للأسف خضعَ مصطلح ” الزمن الجميل” إلى تأويلات بعيدة عن محتواه وما يشير اليه. أصبحتْ له حُمولة سياسية فبدا كأن المقصودَ هو النظام السابق وهذه رؤية قاصرة تماماً. كانت الحياة الاجتماعية أكثر حميميّة من الآن .. أليست هذه زمنا جميلاً؟ ما علاقة النظام السياسي بها. كانت الناس تنام على السطوح في الصيف قبل ٤٠ و٥٠ سنة مثلاً. ما علاقة النظام السياسي بالنوم فوق السطوح مثلا. بالمناسبة الزمن الجميل عند كل الشعوب. الماضي جميل عادةً بصرف النظر عما فيه من منغّصات فضلاً عن الخلافات او الصراعات السياسية. مفهوم الزمن الجميل اجتماعي لا سياسي.
**”برقية”: بناءً على نقدية حسّك الصحافي والثقافي.. كيف تُنازلُ في توادُدِكَ اليومي، فلسفة د. طه جزاع، و تاريخ زيد الحلي؟ ومثاقفات رباح آل جعفر؟.
ـــــــــــــــــــــ أ. حمزة: بالنسبة لطه جزاع فهو صديقي التوأم. علاقتي بابي ياسين تختلف عن سواها من كل علاقاتي مع الآخرين.بالمناسبة انا ودكتور طه على طرفي نقيض في النظر إلى الأشياء وانا دائم الاختلاف معه. طه من جماعة نجوم الليل وانا من جماعة نجوم الظهر. أما زيد الحلي الصديق الكبير والمعلم فهو من أجمل الناس متصالحٌ مع نفسه ليس لديه عقد. يحب الحياة وتحبه الحجية. أما رباح ال جعفر ابو بلال فهو نسيجُ وحدَه يُبعث أمة وحدَه. مشكلتي معه نختلف دائماً على المطاعم التي ناكل بها.
**”برقية”: أود أن أسألك عن أسماء، وماذا تركت في عقلك أو قلبك من أثر: مصطفى الفكيكي، أكرم طاهر حسان، عصام فاهم جواد، د. محسن خليل؟
ــــــــــــــــــــــ أ.حمزة: مصطفى الفكيكي وما ادراك ما مصطفى الفكيكي في مرحلة من مراحل حياتنا الصحفية أطعمنا من جوع ولكن لم يامنا من خوف. لا أعرف حتى الآن إن كنا نعمل معه صحفيين ام عمالاً؟. أكرم طاهر حسان ابو حسان الكبير. عالي الجناب والصديق الذي مازلت أتواصلُ معه بين آونة واخرى اتمنى له الصحة وطولة العمر. عصام العامري ابو محمد واحد من أجمل الأصدقاء. كريم وشهم وباحث جاد. أما ابو بسام المرحوم محسن خليل فهو أحد الذين عرفتهم في شبابي وبواكير عملي الصحفي. آخر لقاء لي معه كان في القاهرة عثرتُ عليه في مقهى على قارعة أحد طرق القاهرة ومن ثم افترقنا ومن ثم وافاه الأجل المحتوم.
