أين هم “إخوةُ شايلوك” في العراق؟!..مندائيٌّ سخيٌّ يُملِّكُ “10”عوائل بيوتاً في “أبي الخصيب” بالبصرة الفيحاء!!
( هنيّاً لك يا فاعل الخير ) .
هذه الصورة أخذتُها من منشور علي مكي الكحيلي ، ويتبين من خلال النظر اليها، والتمعن فيها بأنّها مجمّع سكني تبرع به أحد المندائين صدقة مباركة جارية لـ”المُحوِجين” من أهلنا الذين هم بحاجة الى سكن مجاني يخفف عن كاهلهم !!.
أيصيرُ مثلاً أنْ نتركَ هذا الخبر السار، الذي يثلجُ القلوب يمرُّ مرور الكرام؟!
تساءلتُ وسألتُ ناشرَ الخبر وابن المتبرع الكريم، فإذا بي أفاجأُ بجواب ولدِهِ حيث أرسلَ لي رسالة صوتية يقول فيها: عمي، والدي لا يرغب في نشر اسمه أو صورته لأنها صدقة جارية.
-“زين”، عزيزي علي مكي ممكن اسألك كم سؤال عن منشورك الذي أثلج صدورنا بخصوص المتبرع الكريم .
-إي عمي اتفضل، فالذي أعرفه أجيبكَ عنه.
-عمي هذا المكان..أين؟
– بالبصره بـ”أبو الخصيب “.
-كم هي مساحة الارض ؟
– تقريباً ألف ومائة متر .
-عمي الحكومه هل ساعدت بشيء ما ؟
– المشروع فردي قام به المتبرع الكريم، ولوحده .
-عمي أشوف الفرع مغلق ؟
– نعم عمي مثلما شُفْت الفرع مغلق .
-عمي البيت مؤثث ؟
-إي، الكهرباء وسبالت والأساسيات .
-عمي ما مدة العمل ؟
-منذ سنة ونصف وأكثر .
-كم كلفة المشروع ؟
-والله عمي الرجل لا يتكلم ، صدقة جارية.
-“زين” عمي، على أي أساس تم التوزيع؟
– لا على التعيين ولم يُخصّص لعائلة واحدة من عوائلنا فهي خليط خميسي وچحيلي ومن مختلف العوائل ورغم أن اغلب مندائيي البصره هم من عائلة الكحيلية فهم يشكلون اكثر من ٨٠ او ٩٠ ٪ من مندائيي سكان البصرة.
-من قام بالتنفيذ أو المتابعة ؟
-أخونا سمير موحي .
-متى كانت عملية الافتتاح اقصد صباحاً، أم مساءً؟
-في السابعه مساءً.
-عمي مَنْ شخّصَ المُعوزين ؟
-اثنان من العوائل كانا من تشخيص المتبرّع والثمانية الباقون كانوا من تشخيص مندائيي البصرة.
-عمي هل هناك في هذه المنطقه سوق ؟ محلات ؟ مدارس؟
-عمي كل شيء يمرُّ بخاطرك موجود وفيها سكانٌ مندائيون.
-عمي هناك بكم سعر ال ١٠٠ متر او ال ١٥٠ متر ؟
-يمكن سمعته قال: في السابق كانت مناسبة، أما الآن يمكن ال ١٥٠ متر بخمسة وثلاثين مليوناً تقريباً..طبعا كانت انسب لكن أضيف إليها تكاليف البناء وكل بيت فيه غرفتان واستقبال وحمام ومطبخ.. وهكذا .
-عمي، وكل بيت من طابقٍ واحد .
-نعم “قاط” واحد .
-من شارك بالافتتاح من رجال الدين اشوفهم واقفين وسط المحتفلين ؟
-فضيلة الشيخ مازن الكحيلي واثنان آخران سأذكر اسماءهم فيما بعد .
-عمي أنت تدري بأني وحسب علمي بالمرحوم جبار سيف هو المتبرع الأول حيث تبرع بقطعة ارض وشيد عليها المندائيون منديهم ( معبدهم ) .
– إي سمعتُ، ألف رحمة على روحه.
شُفْ (يعني شوف) القضية صار لها خمسون سنة وأكثر ولحد الآن العالم تترحم عليه، لأن تبرعه ايضاً، كان صدقة جارية .
– إي نعم “ألف رواها وشافق هطايي نهويله “.*
-“زين” هذا الرجل الشهم اسكن عشرة من عوائلنا المندائية الذين لا يملكون سكناً وفتح انفسهم لحياةٍ كريمة.
-كم سيترحمُ عليه الأوادم، ويترحمون لوالديه ….
-والله يا أيّها المتبرع لقد نلت بعملك هذا رضاء “الهيي قد مايي”،* ورضا الناس اجمعين .
الله يجازيك بالخير يا أيها المتبرع الكريم واعلم بانك، وبعملك هذا اصبحت نبراساً لنا جميعاً وهنيّا لك يا فاعل الخير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
***أخي الذيقاريّ الجذور، البغدادي النشأة، الأربيلي الأقامة منذ ما يقرُب من عقدين، المندائي العزيز “سعدي ثجيل” أبو رام وسام، صديق حبيب، أعرفه منذ سبيعنيات القرن الماضي، وأحسبُ أنّي أعرفُ كل شيء عنه، فلقد قرأتُ له -قبل نحو سنة وأكثر- كتاباً بأربعة أجزاء يتحدّث فيها عمّا مضى له، وعليه، وعلى من حوله وعلى جميع مَن هُمْ في دائرة حياتهِ، فهو كاتبٌ جميلُ الأسلوب، ينسجُ كلامَهُ على هواه فصيحاً وعامّياً، بل إنّ في مفرداته الجنوبية ما احتجتُ فعلاً إلى تفسيره بـ”حِسْجيتهِ” المتجذرة في تربة الجنوب. ضيّفني آخر مرة في أربيل لمرّات ومرّات، وأحسن إلي في أشياء وأشياء، ساعدتني في إقامتي لنحو أربعة شهور وزيادة.
بعد فراق دام أكثر من أربعين سنة، تعرّفت من جديد إليه وإلى عائلته العراقية المندائية الأصيلة بكل من فيها من “أم رام” الأم الرؤوم الرائعة، وولديه الحبيبين رام وسام، وأحفاده لاسيما “يوسف” وبعض الأقارب. أحببتُهم جميعاً، وأظن أنّهم أحبّوني، وفي لقاء من اللقاءات هناك التقيتُ صديقي العزيز “أبا تمام” الدكتور حميد عبدالله بعد غياب طويل. فأمضينا مع الجميع ليالي ملؤها الفرح والسعادة وجمال الألفة العراقية الأصيلة.
أبو رام، بكل ما له من محبّة في قلبي، كتبَ في الفيسبوك عن فاعل الخير المندائي البصري الذي تبرّع لأهليه من المندائيين ببيوت عشرة تُسكِنُ المحتاجين إليها، وبكل التفاصيل التي اطلعتم عليها. وثمة عبارات مندائية اللغة لكنّها واضحة المعنى في سياقها، لم أشأ أنْ أسأل أخي “أبا رام” عنها.
وإذ ننشر تفاصيل حالة الجُود “النادرة” هذه والتي يستحقُّ صاحبُها العراقي البصري المندائي الأصيل وسام الرافدين من الدرجة الأولى، أقول “طيّح اللهُ حظَّ “زناكين” هم في حقيقتهم ألعَنُ من شايلوك في مسرحية شكسبير تاجر البندقية الشهيرة لا يعرفون طريق الخير إلى جنّة الله، ولا “الصدقة الجارية”، التي تحرّم عليهم النار، ولا طيب العيش على الأرض بحبِّ الفقراء ودعواتِهم. فــ((مَنْ الَّذي يُقرِضُ اللهَ قرضاً حسناً فيُضَاعِفَهُ لهُ أضْعافاً كثيرةً))…؟!. الرحمة والجنّة والخلود لصاحب الجود، ودوام التوفيق وتمام العافية لصديقي العزيز سعدي ثجيل الورد على ذكْرهِ طيبَ الطيّبين.
ومن أعجب مسائل “التخاطر” ما جرى اليوم “من غُبشة الله” بتوقيتي الكندي في مدينة كالغري، كُنتُ على وشك النوم، بعد سهرة حتى الصباح مع أحداث لبنان المحزنة، اتّصلَ بي أبو رام، وهو والله لم يكن يعرف أنّني اخترتُ ما كتبه لأنشره في برقية، فأجزلَ لي الشكر على انتباهي لما يكتبه، بأنْ قال: “خويه ألم أقل لك اشترِ ذهباً، بدل أنْ تُركنَ فلوسك في البنوك، ها قد صعد الذهب من 5 إلى 9، وروى لي قصة صديقٍ له مع ابنه سام الذي نصحه، فلامه -عند النزول- ثم أثنى على عقله وقدرته الاقتصادية، بعد صعود الذهب!!. قلتُ له: الله كريم، ربّما تتغيّر الدنيا بين يوم وليلة، وودعته بأمل توفيق الله، لزيارة العراق الحبيب، وأربيل الجميلة، في شتائنا المقبل….صباح اللامي