أيامكم سعيدة.. بأثرٍ ستيني!!



أعوام الجامعة، رحلة فريدة من بين رحلات العمر. كل يوم يمضي منها يختلف عن الذي سبقه. مع كل نهار تُولد ذكرى، ويُورق صديق. ومع كل ساعة، صفحةٌ من انتظار، أو قلق يتنوع بين محاضرةٍ قد تفوتك أو امتحان لم تستعد له كما يجب، أو مصروفٍ لن يسعفك آخر الشهر.. او شخصٍ مميز تأخر قدومه.
لكن القلق كله يتبدّد ما ان تنعقد (اللَّمَّة). هناك دائماً من يمد يد العون، شرحاً او استعارةً او فلوساً تخرج من جيوبٍ بلا مِحفظات ولا حسابات تتبع أرصدةٍ بنكيَّة.
سوى أنّ اجمل اللَّمّات قاطبة، تلك التي تتم بلا موعد ولا تخطيط مسبق.

جواد علي أكبر، زميلي وصديقي لسنوات أربع، يبحث عني كل صباح قبل أنْ أفعل. وما إنْ نلتقي ونتمشى قليلاً في أروقة كلية الإدارة العامة وحدائقها، حتى يقول لي : إقرأ رياض.. إقرأ..!
و(اقرأ) هنا، لا تعني قراءة مقطع من فصل في محاضرة، ولا نص أدبي، أو ابيات من الشعر، بل اغنية (بصوتي) أنا، لفيروز أو أم كلثوم أو فريد، يطرب لها جواد، رغم أنني لم أشعر يوماً أنّ حنجرتي تصلح الا للحديث بصوت عال عندما لا أحسن التصرف!!

يحصل هذا قبل أنْ نلتحق باحدى تلك (اللَّماتْ)، وما أكثرها وما أحلاها. وهي تصبح أحلى وأجمل بحلول العيدـ، اي عيد. حينها نتفق على موعد يَجمع الذين سيبقون في بغداد ولن يغادروها الى الديار، فنمضي ساعات من بهجة خارج المألوف، بعيداً عن الكلية وصافرة القطار العابر فوق الجسر الحديدي، ملوِّحاً بدخانه الأسود. لكنها امتداد لتلك الأوقات المكتظة بألفة صادقة زرعناها بين رحاب الجامعة في زمن ستّيني ساحر.
و الى تلك الديار، وفي هذا الوقت بالذات، يستعر في داخلي شوق غير مسبوق، وتجدني أسال مع انتصاف الليل أو بعده قبل انبلاج الفجر بقليل:

أين أنت يا جواد؟ أين أنور سليمان بولص وأمير نعوم وجاك كيورك؟ أُقلِّب في الصور واسأل: أين عارف فاضل الكوميدي الصاخب، صاحب التراتيل الكنسية وأغنيات (البوب)؟ أين صباح هرمز جامع الزهور وعبد الأمير مكلف ابو الابتسامة التي لا تنطفئ؟ أين عبد الحسين الجميل (الصافن) الرزين؟

لا أتوقع أن يأتيني أحد بالجواب اليوم أو غداً. لكنني أشعر بسعادة داخلية لان الفيس بوك جمعني منذ مدة ليست بالطويلة باثنين من زملاء الصف وأنا على تواصل معهما، كانا بمثابة إخوة لي لسنوات اربع ومازالا كذلك: رياض عبد الخالق الياسين وثامر الهيمص، الا أنّ أيّاً من الصور التي قلَّبتها طويلا، لم تضم واحدة تجمعني مع أي منهما للأسف. وهو أمر كنت أتمناه مخلصاً، ما ألجأني الى وضع صورة فردية لكل منهما اعتزازاً بايام ستينية لن تعود، لكن أثرها طاغٍ على أعماق الروح.

واعتزازاً بزميلي الصحفي المخضرم، وصديقي الأصيل مظهر السامرائي، فإنني أضع صورته استثناءً مع جَمعنا اليوم رغم أنني كنت اسبقه بعامين دراسيين، أي أنه لم يكن في الصف نفسه، لكنني أفعل ذلك لان مكانته كبيرة في القلب، ولإنني على تواصل معه منذ مدة، تاكيداً لصداقة لم يفرقها الزمن.

ولهؤلاء جميعا، سواء قرأوا سطوري او لم يفعلوا، أقول:
أيامكم سعيدة، زملاء الدراسة الذين لم أذكرهم، زملائي الأكثر عدداً في الصحافة، أصدقائي ومعارفي وأحبتي في الوطن والمنافي، دمتم بعافية وأمان، هذا العيد وكل عيد.

