أوّل محاولة انقلابية “شُرَطية” في تأريخ العراق الحديث!!
أميرُ اللواء علي محمد خالد حجازي من مواليد المدينة المنورة 1899 م، توفي في بغداد عام 1976، وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية في المدينة المنورة، ثم أرسله والدُه إلى اسطنبول لدراسة الطب، الا أنه غيَّر دراسته من الطب الى الدراسة العسكرية فالتحق بالكلية الحربية في اسطنبول وتخرج فيها برتبة ملازم ثانٍ في الجيش العثماني .
وهو أحد ضباط الشرطة المشهود لهم بالصرامة والشدة والكفاءة، وقد ارتبط اسمه بمرحلة تاريخية حرجة من تاريخ العراق وتاريخ شرطة العراق، الا وهي مرحلة ضبط الأمن في البلاد مع تزايد نشاط المنظمات اليهودية وكذلك المواجهات المسلحة بين الشرطة والمتظاهرين وتصاعد النشاط الشيوعي. وقد شغل عدة مناصب ضمن الشرطة منها مدير شرطة لواء بغداد ثم مديراً عاماً للشرطة العراقية من (14/4/1948 لغاية 12/2/1950) تخرج في الكلية الحربية باسطنبول، وخدم مع الشريف حسين في مكة، وكان مخلصاً وفياً له، وبعد تتويج الملك فيصل الأول بن الحسين ملكا على العراق تم نقلُه إلى العراق، وعُيِّن ضابطاً في الشرطة العراقية، وكان من المقرّبين إلى البلاط والمقرّبين من المُرافِق الشخصي للوصي عبدالاله وهو العقيد عبيد عبد الله المضايفي .
كتبت عنه جريدة (الاستقلال) في عددها 902 في 14/2/1950:
( منذ كان السيد علي خالد حجازي مدير شرطة لواء بغداد، كان الناس يتهيَّبون اسمه، ويَحْذَرون بطشه، وكان بعضهم يتملّق إليه، ويسعى آخرون إلى الانتفاع بمركزه، وكان له أنصار ومحاسيب وأصحاب، يُشيدون بكفاءته ويؤكدون إخلاصه، ويذهبون إلى حد الترويج بأن سلامة المملكة مقترنة بوجوده على رأس هذه القوة المسلحة (الشرطة)!!!)
وكتب عنه توفيق السويدي في مذكراته:
(يوم أصبح حجازي مديراً عاماً للشرطة فقد كان معروفاً وشائعاً على أفواه الناس أنه قد توصل إلى منصبه هذا بإسناد من البلاط، باعتباره من أصل حجازي، ومخلص للبيت الهاشمي) .
كان حجازي على خلاف عميق وتنافر شديد مع (صالح جبر)، حيث لم يكونا على وفاق، وكانت آثار التباغض والكراهية ملموسة في أحاديث الطرفين أمام الآخرين، وتروي جريدة (صدى الأهالي) في عددها 124 في 15/2/1950 أنه بعد استقالة وزارة علي جودت في 1 شباط 1950 صدر الأمر السامي بتكليف السيد توفيق السويدي بتشكيل الوزارة، فكان أن اختار صالح جبر وزيراً للداخلية، وفي أول جلسة لمجلس الوزراء الجديد طالب صالح جبر بفصل علي حجازي من الشرطة، ولكن أمام رفض المجلس لهذا المقترح، اكتفى بنقل حجازي ليكون متصرفاً للواء السليمانية. وما أن سمع حجازي بالقرار حتى ثارت ثائرته، واعتزم أمراً بأن يقوم بحركة مسلحة تُجبر حكومة السويدي على الاستقالة وعزل صالح جبر، وتنفيذاً لذلك فقد ذهب علي حجازي ليلة 11 / 12 شباط إلى معسكر قوة الشرطة السيارة في الصالحية وأصدر أوامره إلى بعض السرايا لاحتلال مناطق حيوية من العاصمة وغلق الجسور والقبض على الوزراء واعتقالهم، ثم اتصل برئيس الوزراء توفيق السويدي هاتفيا طالباً منه إقالة صالح جبر من منصب وزير الداخلية فورا .
وعلى إثر هذا التطور الخطير، قامت الحكومة بوضع الجيش بالإنذار، وأصدرت الأوامر بنزول القطعات العسكرية. وتدخل الوصي عبد الإله مستغلاً تأثيره الشخصي على (خالد الحجازي)، وأرسل إليه مرافقه الخاص العقيد عبيد عبد الله المضايفي، الذي أقنعه بضرورة الحضور معه لمقابلة الوصي في البلاط، وفعلاً مَثَل على حجازي أمام الوصي، وجرت مناقشة طويلة بينهما انتهت بإيداع (الحجازي) رهن الاعتقال .
وفي صباح يوم 12 شباط، بثت الإذاعة العراقية بياناً أعلنت فيه ما يلي:
(( على إثر قرار مجلس الوزراء المتخذ مساء أمس بنقل مدير الشرطة العام السيد علي خالد من منصبه، الى منصب متصرف لواء السليمانية، شرع الموما إليه متأثراً بهذا القرار باستعمال القوة للإخلال بالأمن والنظام. ونظراً للتدابير التي اتخذتها الحكومة من جهة، ولأن عمله هذا لم يلق تأييد قواته، فقد أحبطت حركته فوراً وألقي القبض عليه تمهيداً لسوقه للمحاكم.))
يقول توفيق السويدي في مذكراته: إنه في منتصف الليل وكان على وشك الدخول في فراشه، دقَّ جرس الهاتف وكان المتكلم السيد علي حجازي وقال له بصريح العبارة : (إذا لم تُخرِج صالح جبر من الوزارة غداً فإني سوف أقوم بانقلاب ! وأقفل التلفون. وعلى الفور اتصل السويدي بصالح جبر وكان نائماً فأيقظوه، وكذلك اتصل بوزير الدفاع شاكر الوادي، وطلب منه اتخاذ اللازم للقبض على الحجازي.
وفي 14 شباط قررت وزارة الداخلية إحالة حجازي إلى محكمة الجزاء المختصة وفق المادتين 80 و 81 قانون العقوبات البغدادي بتهمة التمرد المسلح، وفي 9 نيسان أصدرت المحكمة الكبرى حكمها بحبس حجازي بالأشغال الشاقة المؤبدة. لكن محكمة تمييز العراق قررت في 6 مايس 1950 نقض القرار وإعادة المحاكمة. وفي 17/6/1950 صدر الحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، وأودع غرفة خاصة في سجن بغداد المركزي في الباب المعظم وكان محط زيارة الكثير من معارفه وأصدقائه من خصوم صالح جبر، إلى أن صدر قرار ملكي في 30/10/1950 بإعفائه عما تبقى من محكوميته، نتيجة تدخل الوصي عبدالآله.
واليوم، وبعد حوالي (74) عاماً على هذا الحادث الدراماتيكي الغريب والمثير، وما أحيط به من غموض ولغط وشكوك وأقاويل، تبقى أسئلة محيرة دون جواب :
- هل كانت محاولة انقلابية فعلاً أم تمرداً أم نزوة شخصية ؟
- هل كانت تعبيراً عن مشاعر السخط الشعبي ضد صالح جبر ؟
- هل إن وقع حجازي ضحية التغرير والتحريض من أطراف استخدمته ورقة لتحقيق مآربها وغررت به، للأنتقام من صالح جبر، ولكن حين فشل. . وحين سقط . . تخلّت عنه ؟
أسئلة كثيرة تدور . .وما زالت تدور، ولكن تبقى المحاولة الانقلابية للسيد علي خالد حجازي مدير الشرطة العام ليلة 11/12 شباط 1950 واحدة من الأحداث الدراماتيكية النادرة في تاريخ العراق الحديث تستحق التحليل، والتوثيق . . والتأمل.