تحليل سياسي

أوكرانيا المنقسمة .. رغبة بالأمان.. وخيبة في الحرب ..

       إذا كان هناك كلامٌ سيُكتب للتاريخ عن خيبة كبرى ، فسيكون عنوانه ( أوكرانيا ) ، تلك الخيبة التي جاءت مع رئيس أمريكيٍّ قلبَ كل موازين السلام ومعادلاته ومفاهيمه في الحروب الطويلة ، فإذا كانت الحروب تنتهي بتفاوض طرفين متحاربين بشروط النصر والخسارة ، فإنَّ أوكرانيا الطرف الثاني في الحرب لم يكن لها أي وجود ليقرر مصير الحرب خسارة أو نصراً ، فترامب هو الذي صنع نهاية الحرب وروايتها الاليمة مثلما يريد .

     واذا افترضنا أنّ الحرب ستنتهي ، فإن ترامب هو الرابح الحالم بجائزة نوبل للسلام وفق ما كان يطرحه خلال حملته الانتخابية ، لكن ثمن الخسارة سيدفعه الشعب الاوكراني الذي وثق باستراتيجيةٍ أمريكيةٍ ابتدعَها سلفُه بايدن وتحالفت معه القوى الاوربية ، فوهنَ العظمُ منها ، وأصبحت حكاية سترويها الأجيال عن صراع الرؤساء  حين يحلمون وكيف تدفع الشعوب أثمان الأحلام والخلافات .

الشعب الأوكراني الآن منقسم على نفسه بين حالم بالأمان وبين خائب ساخط على رئيسه زيلينسكي الذي تشير استطلاعات الرأي في بلاده أنّ 16% من شعبه يقف معه اليوم فقط ، بعد حملة ترامبية اعلامية وصفته بأقبح الاوصاف التي عرفها الاعلام العالمي ، مثل ( دكتاتور حطّم بلاده ، فاشل ،  كوميدي صغير ) ليصفه اخيرا  في تدوينة على منصة “تروث سوشل” التي يملكها “من المثير للتفكير أن كوميدياً متواضع النجاح، فولوديمير زيلينسكي، تمكن من إقناع الولايات المتحدة بإنفاق 350 مليار دولار في حرب لا يمكن كسبها” ، ولان “زيلينسكي اعترف بأن نصف الأموال التي أرسلناها له ‘مفقودة’. يرفض إجراء انتخابات، ما يشير الى تأييده المنخفض جداً في استطلاعات الرأي الأوكرانية، وليعلن ترامب “أنا أحب أوكرانيا، لكن زيلينسكي قام بعمل سيء جداً، وبلاده محطمة، وملايين الأشخاص قتلوا دون داع” وكان بعض ما نطق به ترامب يشيع الخيبة في نفوس الاوكرانيين ، او ربما ليشيع الأمل في نفوس الملايين منهم من المهاجرين في دول العالم الان والذين يحلمون بالعودة لبلادهم ، او ليقتنع مئات الاف الشباب الاوكراني بان احتمال بقائهم أحياءً سيكون في يد ترامب .

انقسام أوكراني يرفض زيلنسكي ان يقتنع به وتسقيط من اكبر رئيس دولة في العالم كان يمثل أقسى حرب نفسية ، ليس للدعم بل لإثبات الخسارة .

وما ان يصمت ترامب حتى يكمل هذه الحرب النفسية وزيره ماسك  ليقول ان زيلينسكي المنتهية ولايته ” يجب أن يجري انتخابات لإثبات أنه يمثل إرادة الأوكرانيين، وإلا فإنه يعتبر دكتاتورا”، ويؤكد ماسك ان زيلنسكي كان يقود اكبر عمليات غسيل الاموال والتهريب فيما يأتيه من مساعدات مالية من دول اوروبا وامريكا .

هذه الحقائق وربما الحرب النفسية كانت بداية لمنع زيلنسكي من حضور مفاوضات انهاء الحرب الاوكرانية ، ما جعلته يحاول الدفاع عن نفسه وتصوير بطولاته وقدرته على الاستمرار في الحرب .

لكن اهم الدروس من كل هذا هو ان الشعب الاوكراني انقسم على نفسه ، وسيحاول اسقاط رئيسه زيلنسكي في اي انتخابات مقبلة وربما يمنعه حتى من الترشح فيها ، وفيما خارطة اوكرانيا كانت قد انقسمت فعليا بالوجود العسكري الروسي وستذهب منها مدن ومدن ، واذا كان ترامب لا يفكر في هذا الانقسام ، فان اوروبا ستدرك ان ترامب يمكن ان يكرر السيناريو مع اي دولة اوربية تحلم روسيا بالوصول اليها ، ما دام حلم المال والسيطرة على الثروات هو حلم ترامب الذي سيحكم به العالم .

مقالات ذات صلة