تحليل سياسي

أمن «إسرائيل» أميركياً

    المتابع لمسار العلاقة بَيْنَ الولايات المُتَّحدة الأميركيَّة و»إسرائيل»، منذُ إنشاء هذا الكيان عام 1948 وحتَّى الآن، يستطيع القول إنَّها علاقة تستند إلى الشَّراكة الكاملة في شتَّى الميادين؛ لأنَّ أمْنَ «إسرائيل» ركيزة ثابتة، واستراتيجيَّة للسِّياسة الأميركيَّة في الشَّرق الأوسط عمومًا، وأنَّ الدَّعم الأميركي لـ»إسرائيل» في حجمِه وأهدافِه واتِّجاهاته المُعلنة والمَخفيَّة هو دعمٌ ثابتٌ في توفير الحماية وديمومته مقابل إنكاره لحقوق الشَّعب الفلسطيني في إقامة دَولته وعاصمتها القدس الشَّريف، ناهيك عن أنَّ سياسة الإدارات الأميركيَّة المتعاقبة هي كانت وما زالت لتثبيتِ وجود دَولة الاحتلال في الشَّرق الأوسط، الَّتي تَعدُّها الولايات المُتَّحدة شريكًا حيويًّا في المنطقة.

   وهُنَا يبرز السُّؤال حَوْلَ حقيقة الموقف الأميركي من الحرب العدوانيَّة «الإسرائيليَّة» ضدَّ غزَّة ولماذا لم تُدِنْ هذا العدوان «الإسرائيلي» وبقِيَتْ تدعو لوقفِه لفظيًّا؟

  والجواب ببساطة أنَّ أميركا منخرطة مع «إسرائيل» في استمرار هذا العدوان على الشَّعب الفلسطيني إلى حدِّ إفشالها أيِّ قرار في مجلس الأمن لوقفِه وإدانته؛ ما أعطى لرئيس حكومة الاحتلال «نتن ياهو» الضَّوء الأخضر لمواصلةِ حرب الإبادة الجماعيَّة على شَعب فلسطين الصَّامد.

   وبدأ الدَّعم الأميركي لـ»إسرائيل» منذُ إنشائها عام 1948، إذ كانت أميركا أوَّل دَولة اعترفت بقيام دَولة الاحتلال «الإسرائيلي»، ومنذُ ذلك الوقت امتدَّ تاريخ طويل ومتواصل من الدَّعم السِّياسي والعسكري والاقتصادي لاستمرارِ تفوُّق هذا الكيان على العرب بدعمٍ وتأييدٍ من أميركا، فضلًا عن الدَّوْر الوظيفي لـ»إسرائيل» في أداء دَوْر رئيس في إضعاف دوَل المنطقة وتغذية الخلاف بَيْنَها.

   وطبقًا لتوصيفِ هذا الدَّوْر، وقَفتِ الولايات المُتَّحدة سدًّا منيعًا في وَجْهِ كُلِّ المحاولات العربيَّة أو الدّوليَّة الهادفة إلى إنصاف الشَّعب الفلسطيني داخل مجلس الأمن، عَبْرَ استخدامها حقَّ النَّقض (الفيتو) لإحباط مشاريع قرارات تُدين «إسرائيل»، أو تُطالِبُها بالانسحاب من الأراضي المُحتلَّة، توَالَى استخدامها للفيتو لِدَعمِ «إسرائيل» حتَّى بلغ عددُ مرَّات استخدام الفيتو الأميركي لصالحِ دَولة الاحتلال (45) مرَّةً من عام 1972 حتَّى عام 2023 حسب إحصائيَّات متداولة.

   وجُوبِهَت مُعْظم قرارات الأُمم المُتَّحدة المُؤيِّدة للحقوق الفلسطينيَّة، بالتَّنكُّر ووفَّرت لـ»إسرائيل» الغطاء والحماية لأجْلِ التَّنصُّل من تنفيذِ هذه القرارات أو الالتزام بها.

   وكشَفتْ حرب أكتوبر عام 1973 عن مرحلةٍ بارزة وثابتة في الدَّعم العسكري الأميركي لـ»إسرائيل»، فقَدْ مدَّت أميركا «إسرائيل» خلال الحرب وبعدَها بشتَّى أنواع الأسلحة من خلال جسرٍ جوِّي، فأسهَمتْ في إعادة بناء القوَّة العسكريَّة «الإسرائيليَّة» الَّتي تضرَّرت جرَّاء خسائرها لتأكيدِ دعمِها لهذا الكيان.

   ومهما بحثنا في أسرار تلك العلاقة بَيْنَ أميركا وربيبتها «إسرائيل» المزروعة في قلبِ الوطن العربي فإنَّ الغاطس وحتَّى المَخفي في مسار هذه العلاقة كبير ومتشعِّب، لا سِيَّما موقف الإدارات الأميركيَّة المتعاقبة من الصِّراع العربي ـ الصهيوني الَّذي أبقته دومًا يميلُ لصالحِ «إسرائيل» على حساب حقوق الشَّعب الفلسطيني المشروعة، وأنَّ أيَّ حديث عن متغيِّر في الموقف الأميركي إزاء ما يجري في غزَّة والضفَّة الغربيَّة هو حديث لا يستند إلى ما يجري في ميادين المواجهة من صمودٍ أُسطوري للشَّعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة الَّتي أسقطت نظريَّة الأمن الصهيوني فكانت معركة طوفان الأقصى مرحلة تاريخيَّة في نضال الشَّعب الفلسطيني، وعلامة بارزة ومحطَّة تكشفُ للعالَم أجمع عن أنَّ فلسطين ستبقى حيَّةً وحاضرة، وقضيَّةً عادلةً في مواجهة مشروعٍ صهيوني بأنيابٍ استيطانيَّة يسعَى لابتلاعِ كُلِّ فلسطين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب عراقي