فكر

أصحاب الحناجر المريضة..

    كنتُ دائماً أقول: مطلوبٌ من الشيعي العراقي أنْ يثبت وطنيتَه وإنسانيته من خلال الوقوف مع أخيه الآخر مهما كان عِرْقه، دينُه، أو طائفته، وأن الامتحان الحقيقيّ لآدميته هو في الدفاع المستميت عن شريك وطنه.

   وكنتُ دائماً أقول إنّ الأغلبية هي أغلبية العقل والبرنامج الوطني والرأي السليم وليست أغلبية العدد.

   ومثلي كان هناك الكثير من المنتمين للطائفة الشيعية أو المحسوبين عليها الذين وقفوا بكل شجاعة وتضحية وإصرار ضد الطائفية اللعينة، مؤمنين أن العراقي بوطنيته وإنسانيته وليس بطائفته أو دينه أو عرقه.

    ولمّا كنتُ صاحبَ قلمٍ فإنّ كلَّ مَنْ قرأ لي من جميع العراقيين يعلمُ عِلْمَ اليقين، بأنني لم أتأخر لحظة واحدة في إدانة كل توجّهٍ أو سلوك طائفي شيعي ضد مواطن آخرَ من غير طائفته.

وكنت دائماً أقول لغيري : تفضل إنها فرصة أكيدة لكي تثبت عراقيتَك وإنسانيتك وذلك من خلال الوقوف مع العراقي الآخر حالما يتعرّض للإضطهاد والتمييز.

    ولقد بلغَ دفاعي عن (سُنّة) العراق الحدَّ الذي دفع بسيدة عراقية أنْ تسأل زوجتي متعجبةً : كيف يمكن لسيدةٍ شيعيةٍ مثلكِ أن تتزوج مِنْ (سنيّ متطرّف).

    ولقد تجاوزت كتاباتي الساحة العراقية إلى ساحاتٍ عربية أخرى, وكان للساحة السورية نصيبُها, فلقد كتبتُ أكثر من مقالة أدين بها نظام بشار الأسد في سوريا وذلك منذ الأيام الأولى لانطلاق الثورة ضده وبعد أن بانت أساليبه الإجرامية في التعامل مع الشعب السوري الشقيق.

لكنني كنت أنبّه في تلك المقالات إلى ضرورة أن ينتبه السوريون حتى لا يتخذ التغييرُ سماتٍ طائفيةً أو دينية وحتى لا يكونوا كمن يهرب من القبور إلى القبور.

   ولأنني أعيش الآن بين أصدقاءٍ أغلبهم من الطائفة السنية الكريمة فلست أحسب أن بمقدور أحد منهم أن يشك بعراقيتي أو بوطنيتي أو بإنسانيتي. وما زلت أرى أن امتحان الوطنية الصادقة هو الذي بإمكانه أن يمر من خلال الموقف من الآخر العراقي سواء أكان صاحبه مسيحياً أو صابئياً أو مسلماً.

   أسوق كل ذلك كمقدمات وصولاً إلى مسك الختام :

إن اللحظة السورية الحالية هي لحظة تاريخية فارقة يمكن للعراقي فيها أن يؤكد وطنيته وإنسانيته حينما يقف مع المظلوم السوري بغض النظر عن هويته الطائفية. أي أن يقف في هذه اللحظة بالذات مع المذبوحين العلويون في الساحل السوري ضد الذباحين من الإسلام التكفيري المنضوين تحت راية ما يسمى بجبهة تحرير الشام تماماً مثلما كان يقف ضد إجرام بشار الأسد وبراميله المتفجرة.

إنها لحظة تاريخية فارقة تُمتحن فيها الوطنية والإنسانية العراقية, أن ترفع صوتك ضد الظالم مهما كانت هويته, وإلا لكان مصدر هذا الصوت صادراً من حنجرة مريضة صاحبها مغشوشٌ كحنجرته.

مقالات ذات صلة