صفحات الانهيار في سوريا تكشف “ارتباك” السلطة في بغداد..وعودة “بني قريظة” إلى ديارهم!!
مبدئياً..كل نظام دكتاتوري، أو “عائلي”، بمعنى كلُّ نظام سياسي، يجعل من أفراد دين، أو مذهب، أو قبيلة “سلطة”، مآله التعفّن التدريجي، والفشل، ثم الانهيار. هذا ديدنُ ما رأتهُ جميع الأنظمة المتعاقبة في أي من دول منطقة الشرق الأوسط. أما “دول الخليج”، فإنّ ما يُبقيها هو توفر هامشٍ نسبيّ من “العدالة الاجتماعية”، يُعطّل التصادُم المجتمعي، أو يُؤخّرهُ إلى حين قد يطول، فما تعملُ به دكتاتوريات العوائل الخليجية، فيه “شيء من الحكمة” على الضدّ مما تجسّدَ في مسارات الأنظمة السابقة أو الحالية، سواءٌ أكانت تلك التي قد ارتكزت إلى دكتاتورية الحزب، أو دكتاتورية العائلة!.
ليس من المتوقّع أبداً بعد التخلّي المكشوف روسياً وإيرانياً عن نظام بشار الأسد، أنْ تستمرَّ “العائلة العلوية” بحكم البلاد، فدخول القوات المعارضة إلى حمص، واالتطويق الجاري من درعا، والهجمات بالطائرات المسيّرة على مناطق في دمشق، والتراجع الدراماتيكي في القدرات العسكرية الحكومية، سيوصل المعارضين الى غايتهم في إسقاط النظام بدمشق، ثم تبدأ بعدها سلسلة عذابات المجتمع السوري الطامح الى الخلاص مع “الفئات الفاسدة” التي يحتاجها من درّب قوات المعارضة وموّلها، لتحكم سوريّا، فأي جهة: أميركا، أو إسرائيل، أو غيرهما، ستعمل كما عمل التغلغل أو التدخل الإيراني، فالجهات الاستعمارية، لا يمكن أنْ تستعين بـ”الوطنيين النزيهين”!.. إنّ قوى التغلغل الخارجي تحتاج دائماً إلى فاسدين، بهيئة مصلحين، لكي يدمّروا البلد والمجتمع!. هذا ما جرى في العراق، وشبيهه بشكل من الأشكال، سيجري في سوريا، ولا شك في ذلك!.
ثمة أمران وراء ما سينتهي إليه إمساك قوات المعارضة بحمص المحافظة المهمة جيوبوليتكياً، أولاً قطع صلة الإمدادت مع لبنان، وهذا يعني ثانياً أو بالنتيجة، نهايةً عمليةً للوجود العسكري لحزب الله اللبناني. ثم أنّ انهيار النظام بشكل كامل في دمشق يعني أنّ طهران التي كانت تحتمي بتسخير “حرسها الثوري” لخوض الحروب خارج سياج إيران، طبقاً لمعطى حديث لمرشد النظام علي خامنئي، باتت مهدّدة في داخل جغرافيتها الإيرانية. ومن دون شك أنّ انهيار نظام الأسد أحد رُباعي التحالف مع طهران، بعد بغداد، وحزب الله اللبناني، وحوثيي اليمن، يعني أنّ صفحات الانهيار، ستُلقي بظلالها على ما يمكن أنْ نسمّيه “ارتباك السلطة” في بغداد، فبعد سنين من “التخادم” بين بغداد ودمشق، أخذت الأطراف الحكومية والحشديّة، تتبنّى سياسة غامضة، وغير واضحة، بل يمكن أن تُوصَف بأنّها “منافقة”، وهي السياسة ذاتُها التي تحدّث بمفرداتها رئيس الوزراء محمد السوداني، الذي أكّد عدم التدخل في الشأن السوري من جهة، و(لن نبقى نتفرّج) بحسب تعبيره من جهة ثانية، هذا يعني أنّ إيران إذا أرادت التدخّل في أية لحظة لأمرٍ تكتيكيّ ما يحفظ لزعمائها ماء الوجه، فإنّ بعض قوات الحشد ستتدخل، كما تدخّلت أمس قوات من حزب الله بالتسلل إلى مواقع في حمص!. لكنْ، من المستحيل الركون إلى “دعةِ عدم التدخل” بزعم حماية العراق من “ظلال التغيير الدراماتيكي في سوريا”!.
وسوريا نفسها، هي الآن في ضوء المتغيّرات التي فرضها نحو عقدين من التحوّلات مشروع للانقسام الى ثلاث دويلات قميئة، أو ثلاثة أقاليم الأمر الذي يهدّد العراق ربّما فقط بالانقسام الإداري الى “ثلاثة أقاليم” على غرار إقليم كردستان، يومها سيمرُّ مشروع التطبيع مع تل أبيب الذي بات مطلوباً “عربياً” وليس إسرائيلياً وحسبُ. إنّ الدول العربية المطبّعة في المنطقة باتت “مُحرجة”، لهذا فإن مشروع التغيير الجديد في الشرق الأوسط، سيكون ذا خلاصة يشرعِنها الرئيس الأميركي المنتخَب دونالد ترامب، بتقزيم “الوجود الفلسطيني” إلى جانب “التمدّد الإسرائيلي”، من جهة، و”فرض التطبيع” على دول المنطقة بكاملها، فالذي جرى في الإمارات والبحرين، لا يمكن أنْ تتأخّر عنه المملكة السعودية زمناً أطولَ، برغم كل ما جرى فيها من متغيّرات مدنية، متسارعة، بل مفرطة في تسارعها إلى الحد الذي راح فيه مفكر خليجي، مثل الدكتور عبد الله النفيسي، ومقدّم برامج استثنائي مثل أحمد منصور يتحدّثان ساخريْن عمّا أسمياه “حق العودة” لليهود لا للفلسطينين، أي بتعبيرهما عودة “بني النضير” و”بني قينقاع” و”بني قريظة” وغيرهم إلى مكة أو المدينة أو مناطق أخرى في الجزيرة العربية!. ستُبدي لكَ الأيام ما كنتَ جاهلا!.